للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُهُ: «لَنَا» أَيْ: عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ «وَجْهَانِ» أَيْ: طَرِيقَانِ أَوْ مَسْلَكَانِ: «الْأَوَّلُ» : مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النِّسَاءِ: ١١٥] ، وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ تَوَعَّدَ بِالنَّارِ مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ «يُوجِبُ اتِّبَاعَ سَبِيلِهِمْ» وَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَمْرٍ، كَانَ سَبِيلًا لَهُمْ، فَيَكُونُ اتِّبَاعُهُ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً.

قَوْلُهُ: «وَهُوَ دَوْرِيٌّ» أَيِ: الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ ظَوَاهِرِ الشَّرْعِ، عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ دَوْرِيٌّ، أَيْ: يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّوْرُ، لِأَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ لَيْسَتْ قَاطِعَةً فِي الدِّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا دَلَالَتُهَا ظَاهِرَةٌ، لَكِنَّ الظَّوَاهِرَ إِنَّمَا ثَبَتَ كَوْنُهَا حُجَّةً بِالْإِجْمَاعِ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً بِالظَّوَاهِرِ، لَزِمَ الدَّوْرُ.

قُلْتُ: يُمْكِنُ مَنْعُ لُزُومِ الدَّوْرِ هَاهُنَا بِأَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّوَاهِرَ إِنَّمَا كَانَتْ حُجَّةً بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ بِالْوَضْعِ وَالْعُرْفِ اللُّغَوِيِّ، فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُ الظَّوَاهِرَ فِي كَلَامِهَا، وَتَتَفَاهَمُ بِهَا مَقَاصِدَهَا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِجْمَاعٌ، ثُمَّ وَرَدَتْ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ، فَسَلَكْنَا فِي الِاحْتِجَاجِ بِظَوَاهِرِهَا نَهْجَهُمْ فِي ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ الْمَذْكُورُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [الْبَقَرَةِ: ١٤٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>