للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُسْتَنَدًا لِلْقَوِيِّ، وَهَذَا عَيْنُ السُّؤَالِ الدَّوْرِيِّ الَّذِي سَبَقَ إِيرَادُهُ وَجَوَابُهُ.

وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ، فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَنْعُ تَوَاتُرِهَا التَّوَاتُرَ الْمَعْنَوِيَّ بِدَعْوَى الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا شُبِّهَتْ بِهِ، مِنْ شَجَاعَةِ عَلِيٍّ، وَسَخَاءِ حَاتِمٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّا إِذَا عَرَضْنَا عَلَى عُقُولِنَا الْأَخْبَارَ الْمُدَّعَى أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ، وَالْأَخْبَارَ الدَّالَّةَ عَلَى شَجَاعَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَخَاءِ حَاتِمٍ، وَجَدْنَاهَا يَعْنِي الْعُقُولَ لَا تُصَدِّقُ بِالْأَوَّلِ كَتَصْدِيقِهَا بِالثَّانِي، بَلْ تَصْدِيقُهَا بِالثَّانِي أَقْوَى بِكَثِيرٍ جِدًّا، وَلَوْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً، لَسَاوَتْ أَخْبَارَ عَلِيٍّ وَحَاتِمٍ فِي قُوَّةِ التَّصْدِيقِ بِهَا، لِأَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ كَمَا سَبَقَ، وَالْإِدْرَاكُ الْعِلْمِيُّ لَا يَتَفَاوَتُ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَقْلَ جَازِمٌ بِوُجُودِ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَمِصْرَ، وَبَغْدَادَ، وَالْبَصْرَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَمَاكِنِ الْمُتَوَاتِرَةِ جَزْمًا مُتَسَاوِيًا، لِتَوَاتُرِهَا، بِخِلَافِ الْبَصْرَةِ وَضَيْعَةٍ مِنْ ضِيَاعِ الْعِرَاقِ، يُقَالُ لَهَا: صَرْصَرَا، وَغَيْرِهَا مِنَ الضِّيَاعِ، فَإِنَّ الْجَزْمَ بِهِمَا غَيْرُ مُتَسَاوٍ، لِعَدَمِ تَسَاوِيهِمَا فِي التَّوَاتُرِ، فَإِنَّ صَرْصَرَا، لَمْ يَقَعِ الْجَزْمُ بِهَا إِلَّا عِنْدَ مَنْ عَايَنَهَا، أَوْ قَرُبَ مِنْهَا، فَتَوَاتَرَتْ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ الْبَصْرَةِ; فَإِنَّهُ يُصَدِّقُ بِهَا مَنْ قَرُبَ وَمَنْ بَعُدَ، فَإِنْ وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ تَفَاوُتًا بَيْنَ التَّصْدِيقِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ; وَأَنَّهُ بِمَكَّةَ أَشَدُّ تَصْدِيقًا; فَلَيْسَ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى حَقِيقَةِ الْجَزْمِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى طُرُقِ الْإِخْبَارِ بِمَكَّةَ، فِي كُلِّ عَامٍ، عَلَى لِسَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>