. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلْتُ: هَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى رَأْيِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ الْعَقْلُ لَا السَّمْعُ، وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ يُشْتَرَطُ لَهُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، إِذِ التَّوَاتُرُ يُفِيدُ الْعِلْمَ، فَيَجُوزُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الْأَقَلِّ الْمُخَالِفِ، فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ دُونَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاطِعٍ إِذَنْ.
قُلْتُ: وَهُوَ بَادِئَ الرَّأْيِ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ مَقْبُولٌ، لَكِنَّهُ مَعَ النَّظَرِ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ غَيْرُ مَحْدُودٍ، فَكَيْفَ يُعَلَّقُ هَذَا الْحُكْمُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ مَحْدُودًا، لَكِنْ إِذَا كَانَ الْأَقَلُّ بَالِغًا عَدَدَ التَّوَاتُرِ، فَالْأَكْثَرُ أَوْلَى، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَعَارُضُ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ، وَهُوَ أَبْعَدُ فِي الِاسْتِحَالَةِ مِنْ تَعَارُضِ الْإِجْمَاعَيْنِ، وَمَا نَشَأَ هَذَا الضَّعْفُ إِلَّا مِنِ اعْتِبَارِ التَّوَاتُرِ فِي الْإِجْمَاعِ، وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ، لِأَنَّ تَأْثِيرَ التَّوَاتُرِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْخَبَرِيَّاتِ، لَا فِي النَّظَرِيَّاتِ الِاجْتِهَادِيَّاتِ ; فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَوْ أَخْبَرُونَا بِأَمْرٍ شَاهَدُوهُ، كَمَدِينَةٍ مِنَ الْمُدُنِ، أَوْ وُقُوعِ زَلْزَلَةٍ فِي مَكَانٍ مَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، صَدَّقْنَاهُمْ، وَأَفَادَ خَبَرُهُمُ الْعِلْمَ، إِذَا بَلَغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ خَبَرِيٌّ، وَلَوْ أَخْبَرُونَا عَنْ أَنَّ مُحَمَّدًا غَيْرُ نَبِيٍّ، أَوْ عَنْ بُطْلَانِ شَيْءٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، أَوْ عَنْ قِدَمِ الْعَالَمِ وَنَحْوِهِ، لَمْ نُصَدِّقْهُمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ نَظَرِيٌّ، صَدَرَ عَنْ نَظَرٍ فَاسِدٍ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: إِنْ سَوَّغَتِ الْجَمَاعَةُ الِاجْتِهَادَ فِي مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ، كَانَ خِلَافُهُ مُعْتَدًّا بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ.
قُلْتُ: وَهُوَ قَوْلٌ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِالْأَكْثَرِ، لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ تَسْوِيغَهُمْ قَوْلَ الْمُخَالِفِ وَعَدَمَهُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةً، لَمَا كَانَ تَسْوِيغُهُمُ الْمَذْكُورُ حُجَّةً.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ إِتِّبَاعَ الْأَكْثَرِ أَوْلَى، وَخِلَافُهُ جَائِزٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute