للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابْنِ عَبَّاسٍ» فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّمَا مَثَلُكِ كَمَثَلِ الْفَرُّوجِ ; سَمِعَ الدِّيَكَةَ تَصَايَحُ، فَصَاحَ لِصِيَاحِهَا، وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُعْتَبَرًا، لَمَا أَنْكَرَتْ عَلَيْهِ خِلَافَهُ.

قَوْلُهُ: «قُلْنَا: الْأَعْلَمِيَّةُ» إِلَى آخِرِهِ، هَذَا جَوَابُ حُجَّةِ قَوْلِهِمْ: «شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ، فَهُمْ أَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ» . «قُلْنَا: الْأَعْلَمِيَّةُ» أَيْ: كَوْنُهُمْ أَعْلَمَ ; «لَا تَنْفِي اعْتِبَارَ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ» مَعَهُمْ، كَبَعْضِ الصَّحَابَةِ مَعَ بَعْضٍ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَعْلَمُ مِنْ بَعْضٍ، فَالتَّابِعُونَ مَعَهُمْ كَالْعَامَّةِ.

قُلْنَا: هَذَا تَهَجُّمٌ عَلَى التَّابِعِينَ يُوهِمُ تَنَقُّصَهُمْ، حَيْثُ شَبَّهْتُمُوهُمْ بِالْعَامَّةِ، وَأَطْلَقْتُمْ عَلَيْهِمْ هَذَا اللَّفْظَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشْبِيهًا مُطْلَقًا، ثُمَّ كَوْنُهُمْ مَعَ الصَّحَابَةِ كَالْعَامَّةِ مَمْنُوعٌ، بَلْ هُمْ كَالْعُلَمَاءِ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، فَاضِلًا وَمَفْضُولًا. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ التَّابِعِينَ أَعْلَمُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُعْتَبَرِ قَوْلُهُمْ، كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، مَعَ مِثْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلِهَذَا رَدَّ أَهْلُ الْعِرَاقِ رِوَايَتَهُ، لِاشْتِرَاطِهِمْ فِي الرَّاوِي أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا، وَلَمْ يَكُنْ أَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ، وَصُحْبَةُ الصَّحَابَةِ لَا تُوجِبُ اخْتِصَاصَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا بِكَوْنِهِمْ أَعْلَمَ، بَلِ الْعِلْمُ نَصِيبٌ يُوَسِّعُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ صَحَابِيًّا كَانَ أَوْ تَابِعِيًّا، وَلِهَذَا لَمَّا حَضَرَتْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْوَفَاةُ، قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَوْصِنَا. قَالَ: أَجْلِسُونِي، فَأَجْلَسُوهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>