للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنْ أَنَّ إِجْمَاعَ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةٌ، وَصَارَ ذَلِكَ «كَاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ» فَإِنَّهُ يَكُونُ إِجْمَاعًا، كَذَلِكَ هَذَا.

قَوْلُهُ: «قَالُوا:» يَعْنِي الْمَانِعِينَ لِكَوْنِ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ حُجَّةً ; قَالُوا: هَذَا الِاتِّفَاقُ هُوَ «فُتْيَا بَعْضِ الْأُمَّةِ» فَلَا يَكُونُ إِجْمَاعًا، لِأَنَّ الْعِصْمَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ لِمَجْمُوعِ الْأُمَّةِ، لَا لِبَعْضِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ فُتْيَا بَعْضِ الْأُمَّةِ هُوَ أَنَّ حُكْمَ الْقَوْلِ الْآخَرِ مِنْ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ بَاقٍ، لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِهِ وَإِنْ مَاتُوا ; لَكِنَّ قَوْلَهُمْ لَمْ يَمُتْ، لِأَنَّ مَذْهَبَ الْمَيِّتِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَقْوَالَ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مَعْمُولٌ بِهَا، مُعْتَمَدٌ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا فَمَا بَعْدَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ أَحَدَ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِ قَائِلِهِ ; كَانَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ اتِّفَاقًا عَلَى فُتْيَا بَعْضِ الْأُمَّةِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ.

قَوْلُهُ: «قُلْنَا: يَلْزَمُ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالصَّحَابَةِ، كَقَوْلِ دَاوُدَ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ» .

تَوْجِيهُ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: الْقَوْلُ بِأَنَّ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ إِجْمَاعًا، لِمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ أَنَّهُ فُتْيَا بَعْضِ الْأُمَّةِ لَا كُلِّهَا، يَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالصَّحَابَةِ، بِأَنْ لَا يَصِحَّ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ إِلَّا مِنْهُمْ، وَلَا يَصِحَّ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، لِأَنَّهُمْ وَإِنْ مَاتُوا، فَأَقْوَالُهُمْ لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهِمْ، فَكُلُّ مَنِ اتَّفَقَ بَعْدَهُمْ عَلَى حُكْمٍ، فَقَوْلُهُ فُتْيَا بَعْضِ الْأُمَّةِ لَا فُتْيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>