للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنَ الْآرَاءِ فِي الْحُرُوبِ وَنَحْوِهَا.

قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَحْفَظُ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِنَا شَيْئًا.

قُلْتُ: الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا أَحْسَبُهُ يُتَصَوَّرُ، وَإِنْ تُصُوِّرَ، فَهُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ.

أَمَّا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ: فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مَا كَانَتْ ثَمَرَتُهَا وَمَقْصُودُهَا مُتَعَلِّقًا بِالدِّينِ، وَرَاجِعًا إِلَيْهِ، خَاصًّا بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ وُقُوعُهُ فِي الدُّنْيَا، كَالْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا، أَوْ فِي الْآخِرَةِ، كَالْإِجْمَاعِ عَلَى فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَنَصْبِ الْمَوَازِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَعِنْدَ ذَلِكَ نَقُولُ: الْحُرُوبُ وَالْآرَاءُ فِيهَا: إِنْ كَانَتْ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهِيَ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ التَّمَسُّكِ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ عَصَبِيَّةً، أَوْ بَغْيًا، أَوْ طَلَبًا لِلدُّنْيَا، أَوْ إِظْهَارًا لِلْفَخْرِ، وَالْخُيَلَاءِ، وَالْغَلَبَةِ عَلَى الْخَصْمِ ; فَأَصْلُ تِلْكَ الْحُرُوبِ مُحَرَّمَةٌ، فَالْآرَاءُ، وَالتَّدْبِيرُ، وَالْمَكِيدَةُ فِيهَا أُمُورٌ مُحَرَّمَةٌ، وَالْمُحَرَّمَاتُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّمَسُّكُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ، إِذِ التَّمَسُّكُ بِالْإِجْمَاعِ إِنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا لَهُ أَصْلٌ فِي الْجَوَازِ، فَمَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْجَوَازِ، لَا يُتَصَوَّرُ التَّمَسُّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ التَّمَسُّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ كَالتَّمَسُّكِ عَلَى جَوَازِ شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ، أَوِ الْخِنْزِيرِ، أَوْ بَيْعِهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مُحَالٌ شَرْعًا.

وَإِنْ وُجِدَ حَرْبٌ، وَقِتَالٌ مَشُوبٌ بِقَصْدِ الْجِهَادِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالتَّكَثُّرِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>