للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْإِجْمَاعِ، لِكَوْنِهِ ظَنِّيًّا، وَكَوْنِ مُخَالِفِهِ لَا يَكْفُرُ، وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِهَذَا التَّقْرِيرِ.

قُلْتُ: هَذَا التَّقْرِيرُ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ أَقْوَى أُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ قُدِّمَ عَلَى النَّصِّ وَالْقِيَاسِ، فَهُوَ لِعُلُوِّ رُتْبَتِهِ فِي أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ يَقْتَضِي تَوَفُّرَ دَوَاعِي الْأُمَّةِ عَلَى ضَبْطِ أَدِلَّتِهِ، وَحِفْظِ مُسْتَنَدِهِ، إِذْ مِنَ الْمُمْتَنِعِ عَادَةً تَضْيِيعُ مِثْلِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي كُتُبِهِمْ. وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ وَبَيَانُ ضَعْفِ الدِّلَالَةِ مِنْهُ.

وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ حِكَايَاتِ حَاتِمٍ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اسْتِقْرَاؤُهَا أَوِ اسْتِقْرَاءُ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَوَاتُرُ سَخَائِهِ مِنْهَا، إِذْ كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا مَنْقُولَةٌ مُدَوَّنَةٌ فِي دِيوَانِ حَاتِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ التَّوَارِيخِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ عُلَمَاءَ الشَّرْعِ لِعَدَمِ اهْتِمَامِهِمْ بِهَا لَمْ يَعْتَنُوا بِهَا حَتَّى تَتَوَاتَرَ بَيْنَهُمْ وَتَشْتَهِرَ، وَقَدِ اشْتُهِرَتْ عِنْدَ الْإِخْبَارِيِّينَ الْعُلَمَاءِ بِأَيَّامِ الْعَرَبِ.

أَمَّا أَحَادِيثُ الْإِجْمَاعِ وَأَدِلَّتُهُ، فَهُمْ بِالضَّرُورَةِ مُعْتَنُونَ بِهَا، مُهْتَمُّونَ غَايَةَ الِاهْتِمَامِ، فَالْمَانِعُ لَهُمْ مِنْ نَقْلِهَا عَادَةً لَيْسَ إِلَّا عَدَمُهَا، وَأَنَا ذَاكِرٌ لَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَصْلًا ذَكَرْتُهُ فِي «الْقَوَاعِدِ الصُّغْرَى» فِي هَذَا الْبَابِ يُحَقِّقُ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيًّا، وَهُوَ أَنِّي قُلْتُ هُنَاكَ: وَمِنَ الْعَدْلِ التَّرْجِيحُ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، وَإِلْغَاءُ الضَّعِيفِ. وَهَذَا كَثِيرٌ فِي تَرْجِيحَاتِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، كَتَرْجِيحِ الْقَاطِعِ عَلَى الظَّنِّيِّ، وَالْخَبَرِ الْأَصَحِّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالصَّحِيحِ عَلَى الضَّعِيفِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُخَالِفَ الْإِجْمَاعِ وَمُنْكِرَ حُكْمِهِ لَا يَكْفُرُ، مَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>