للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِثَالُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَمَّا كَانَ يُؤْذِيِهِ غَلَبَةُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، احْتَاجَ فِي الصَّيْفِ إِلَى رَقِيقِ اللِّبَاسِ، وَالتَّعَرُّضِ لِلْهَوَاءِ الْبَارِدِ بِالْجُلُوسِ فِي أَمَاكِنِهِ، وَتَبْرِيدِهَا بِالْمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. لِيَحْصُلَ لَهُ الرَّوْحُ الْمُوَافِقُ، وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ الْكَرْبُ الْمُنَافِي، وَفِي الشِّتَاءِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، وَالْأَمْثِلَةُ كَثِيرَةٌ.

قَوْلُهُ: «ثُمَّ إِنْ شَهِدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهَا» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا بَيَانٌ لِأَنْوَاعِ الْمَصْلَحَةِ وَأَقْسَامِهَا، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ:

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: هَذَا، وَهُوَ مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهِ، «كَاقْتِبَاسِ الْحُكْمِ» ، أَيِ: اسْتِفَادَتُهُ وَتَحْصِيلُهُ «مِنْ مَعْقُولِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ» ، كَالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَهُوَ «قِيَاسٌ» ، كَاسْتِفَادَتِنَا تَحْرِيمَ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ مِنْ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ، وَاسْتِفَادَتِنَا تَحْرِيمَ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ مِنْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مَعَ أَنَّ النَّبِيذَ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَعَ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكَقَوْلِنَا: يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ ذَاتِ الْمَحْرَمِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ قِيَاسًا عَلَى وَطْئِهَا بِالزِّنَى، وَهُوَ مَحَلُ إِجْمَاعٍ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِبُطْلَانِهِ مِنَ الْمَصَالِحِ، أَيْ: لَمْ يَعْتَبِرْهُ كَقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْمُوسِرَ كَالْمَلِكِ وَنَحْوِهِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ، وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْكَفَّارَةِ الزَّجْرُ عَنِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَزْجُرُهُ الْعِتْقُ وَالْإِطْعَامُ لِكَثْرَةِ مَالِهِ، فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَ رِقَابًا فِي قَضَاءِ شَهْوَتِهِ، وَقَدْ لَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ صَوْمُ سَاعَةٍ، فَيَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>