للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [الْقِيَامَةِ: ٣ - ٤] ، ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى فِي آخِرِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} إِلَى قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الْقِيَامَةِ: ٤٠] .

وَوَجْهُ كَوْنِ الْإِعَادَةِ أَهْوَنَ مِنَ الْإِبْدَاءِ: هُوَ أَنَّ الْإِعَادَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْإِبْدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ، وَالْإِبْدَاءُ لَيْسَ مَبْنِيًّا إِلَّا عَلَى مُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ لَا عَلَى سَبَبٍ سَابِقٍ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُعْجِزَ مُوسَى أَعْظَمُ مِنْ مُعْجِزِ عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَى لَهُمْ أَصْلٌ فِي الْحَيَاةِ سَابِقٌ، وَالْعَصَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ.

الطَّرِيقُ الثَّانِي: مِنْ طُرُقِ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ فِي إِثْبَاتِ الْمَعَادِ قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى} [يس: ٨١] ، يَعْنِي مِثْلَ الْكُفَّارِ، أَيْ: يُعِيدُهُمْ إِلَى مِثْلِ حَالِهِمُ الْأُولَى فِي الِابْتِدَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْأَحْقَافِ: ٣٣] . فَهَذَا قِيَاسٌ لِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِجَامِعِ عَظَمَةِ الْفِعْلَيْنِ فِي الْعُقُولِ أَوْ إِمْكَانِهِمَا فِي الْمَعْقُولِ، وَهَذَا الطَّرِيقُ وَالَّذِي قَبْلَهُ مِنْ بَابِ قِيَاسِ التَّنْبِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ أَجْلَى وَأَظْهَرَ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ، كَقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] ، إِذْ كَانَ تَحْرِيمُ الضَّرْبِ أَظْهَرَ مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ، فَكَذَلِكَ الْإِعَادَةُ أَيْسَرُ مِنَ الْإِبْدَاءِ، وَإِحْيَاءُ الْمَوْتَى أَيْسَرُ مَنْ خَلْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>