للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بَلْ ذَاتُهُ بَاقِيَةٌ، لَكِنَّهَا اخْتَلَطَتْ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى عَادَ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ فِي الْعَادَةِ جَمْعُهُ عَلَى الْقُوَّةِ الْبَشَرِيَّةِ، ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَفَنٌ وَفَسَادُ مِزَاجٍ، فَإِذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ وَحَرَارَةُ الْأَرْضِ الْعَارِضَةِ، تَهَيَّأَ لِلنَّبَاتِ وَالصَّلَاحِ بِقُدْرَةِ فَالِقِ الْإِصْبَاحِ.

أَمَّا الْأَجْسَامُ الْحَيَوَانِيَّةُ، فَاخْتُلِفَ فِيهَا بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، فَمَنْ نَفَاهُ زَعَمَ أَنَّ الْأَجْسَامَ تَتَلَاشَى، وَتَصِيرُ عَدَمًا مَحْضًا وَنَفْيًا صِرْفًا، وَمَنْ أَثْبَتَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ: إِنَّ الْأَجْسَامَ تَنْحَلُّ إِلَى الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ، ثُمَّ عِنْدَ الْبَعْثِ تَلْتَئِمُ الْأَجْزَاءُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَعُودُ أَجْسَامًا كَمَا كَانَتْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ، حَتَّى سَمِعْتُ بَعْضَ مَشَايِخِنَا يَحْكِي عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنْ ثَبَتَ الْقَوْلُ بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالْمَعَادِ وَبَعْثِ الْأَجْسَادِ، وَإِلَّا فَلَا.

قُلْتُ: فَبِهَذَا يَتَحَقَّقُ أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْجَسَدَ يَفْسُدُ مِزَاجُهُ، وَتَتَفَرَّقُ أَجْزَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ يَعُودُ حَيًّا حَيَاتَهُ الَّتِي تَلِيقُ بِهِ، وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ لَهَا، كَمَا أَنَّ الْحَبَّةَ فِي الْأَرْضِ يَفْسُدُ مِزَاجُهَا، وَتَتَفَرَّقُ أَجْزَاؤُهَا، ثُمَّ تَعُودُ حَيَّةً حَيَاتَهَا الَّتِي تَلِيقُ بِهَا، وَهِيَ مُسْتَعِدَّةٌ لَهَا.

وَبِالْجُمْلَةِ فَغَالِبُ مَا احْتَجَّ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَلَى أُمَمِهِمْ بِالْبَرَاهِينِ الْجَلِيَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَذَلِكَ فِي أُصُولِ الدِّيَانَاتِ الَّتِي الْخَطَأُ فِيهَا كُفْرٌ، فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ فِي الْفُرُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>