. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حُكْمٍ صَارَ إِلَيْهِ أَحَدُهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَنَدُهُ فِيهِ الْقِيَاسَ أَوْ دَلِيلَ غَيْرِهِ، وَالْقِيَاسُ هُوَ مَا ذَكَرْنَا حَدَّهُ، وَهُوَ اعْتِبَارُ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الرَّأْيِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ أَخَصُّ مِنَ الْقِيَاسِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ بِحَسَبِ الْإِضَافَةِ هُمْ كُلُّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي الْأَحْكَامِ بِالرَّأْيِ، فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يَسْتَغْنِي فِي اجْتِهَادِهِ عَنْ نَظَرٍ وَرَأْيٍ، وَلَوْ بِتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ وَتَنْقِيحِهِ الَّذِي لَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ.
وَأَمَّا بِحَسَبِ الْعَلَمِيَّةِ، فَهُوَ فِي عُرْفِ السَّلَفِ عَلَمٌ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ، أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَؤُلَاءِ أَهْلَ الرَّأْيِ، لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا كَثِيرًا مِنَ الْأَحَادِيثِ إِلَى الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ ; إِمَّا لِعَدَمِ بُلُوغِهِمْ إِيَّاهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ، أَوْ لِكَوْنِهِ رِوَايَةَ غَيْرِ فَقِيهٍ، أَوْ قَدْ أَنْكَرَهُ رَاوِي الْأَصْلِ، أَوْ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، أَوْ لِكَوْنِهِ وَارِدًا فِي الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ عَلَى أَصْلِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَبِمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ لَزِمَهُمْ تَرْكُ الْعَمَلِ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ حَتَّى خَرَّجَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي «جَامِعِهِ» نَحْوَ مِائَةٍ أَوْ خَمْسِمِائَةِ حَدِيثٍ صِحَاحٍ خَالَفَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فِي التَّشْنِيعِ عَلَيْهِ حَتَّى صَنَّفَ كِتَابًا فِي الْخِلَافِ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَكَثُرَ عَلَيْهِ الطَّعْنُ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ حَتَّى بَلَغُوا فِيهِ مَبْلَغًا وَلَا تَطِيبُ النَّفْسُ بِذِكْرِهِ، وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا عِصْمَتَهُ مِمَّا قَالُوهُ، وَتَنْزِيهَهُ عَمَّا إِلَيْهِ نَسَبُوهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute