. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ شَرْعِيًّا، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ شَرْعِيًّا، لَكَانَ الْحُكْمُ الْمُتَعَدِّي إِلَى الْفَرْعِ غَيْرَ شَرْعِيٍّ، فَلَا يَكُونُ الْغَرَضُ مِنَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ حَاصِلًا. قَالَ النِّيلِيُّ فِي «شَرْحُ جَدَلِ الشَّرِيفِ» : فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا بِأَنْ كَانَ عَقْلِيًّا أَوْ لُغَوِيًّا، لَمَا أَفَادَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَلَا عَقْلِيًّا، وَلَا لُغَوِيًّا؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ الْحَقَائِقُ الْعَقْلِيَّةُ.
مِثَالُهُ: لَوْ قَالَ: شَرَابٌ مُشْتَدٌّ، فَأَوْجَبَ الْحَدَّ كَمَا أَوْجَبَ الْإِسْكَارَ، أَوْ كَمَا وَجَبَ تَسْمِيَتُهُ خَمْرًا، فَإِنَّ إِيجَابَهُ الْإِسْكَارَ أَمْرٌ مَعْقُولٌ، وَتَسْمِيَتُهُ خَمْرًا أَمْرٌ لُغَوِيٌّ، وَإِيجَابُ الْحَدِّ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا إِذَا قَاسَ النَّفْيَ عَلَى النَّفْيِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُقْتَضِي مَوْجُودًا فِي الْأَصْلِ، كَانَ الْحُكْمُ نَفْيًا أَصْلِيًّا، وَالنَّفْيُ الْأَصْلِيُّ لَيْسَ مِنَ الشَّرْعِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ النَّفْيُ الطَّارِئُ الَّذِي هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ.
قُلْتُ: مَعْنَى كَوْنِ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ لَيْسَ مِنَ الشَّرْعِ أَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْعِ، بَلْ هُوَ قَبْلُهُ، فَلَا يَكُونُ مِنْهُ، كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي الْإِبَاحَةِ: لَيْسَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا لِثُبُوتِهَا قَبْلَ الشَّرْعِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا حَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا، إِذْ غَيْرُ الشَّرْعِيِّ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ نَتِيجَةُ الدَّلِيلِ، وَالنَّتِيجَةُ مِنْ جِنْسِ الْمُنْتَجِ، فَلَوْ قَالَ: الْعَالَمُ مُؤَلَّفٌ، وَكُلُّ مُؤَلَّفٍ مُحْدَثٌ، فَالْخَمْرُ حَرَامٌ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمُقَدِّمَتَيْنِ عَقْلِيَّتَانِ، وَالنَّتِيجَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute