للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَيْ: عَلَامَةُ تَسْلِيمِي.

وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا دَاعِيًا وَمُسْتَدْعِيًا، فَلِأَنَّهَا تَدْعُو الشَّارِعَ إِلَى وَضْعِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهَا، وَتَسْتَدْعِي ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْمُكَلَّفِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَكَذَلِكَ هِيَ الْبَاعِثُ لَهُ وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ.

وَمَعْنَى كَوْنِهَا مَنَاطًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ يُنَاطُ بِهَا أَيْ: يُعَلَّقُ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا دَلِيلًا ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّهَا إِذَا وُجِدَتْ فِي مَحَلٍّ، دَلَّتْ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا فِيهِ، كَالْإِسْكَارِ فِي النَّبِيذِ، وَالْكَيْلِ فِي الْأَرُزِّ.

وَمَعْنَى كَوْنِهَا مُوجِبًا وَمُؤَثِّرًا هُوَ أَنَّهَا تُوجِبُ مَعْرِفَةَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَتُؤَثِّرُ فِي مَعْرِفَتِهِ؛ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ، وَالْمُؤَثِّرَ إِنَّمَا هُوَ الشَّارِعُ.

وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ أَمَارَةً فِي الْفَرْعِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِيهِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْأَمَارَةِ سِوَى تَعْرِيفِهَا لِلْحُكْمِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مُعَرَّفٌ بِالنَّصِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعِلَّةِ مَعْنَى الْبَاعِثِ، خَلَتْ عَنْ فَائِدَةٍ.

الثَّانِي: أَنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ مَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، فَهِيَ فَرْعٌ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ، فَلَوْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَتُهُ عَلَيْهَا، لَزِمَ الدَّوْرُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَاعِثِ وَالْأَمَارَةِ الْمَحْضَةِ: هُوَ أَنَّ الْبَاعِثَ يَكُونُ مُنَاسِبًا لِحُكْمِهِ، وَمُقْتَضِيًا لَهُ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ مِنِ اقْتِضَائِهِ إِيَّاهُ مَصْلَحَةٌ ; بِحَيْثُ يَصِحُّ فِي عُرْفِ الْعُقَلَاءِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا فُعِلَ كَذَا لِكَذَا، كَقَوْلِنَا: إِنَّمَا قُتِلَ الْمُرْتَدُّ لِتَبْدِيلِهِ الدِّينَ، أَوْ تَقْلِيلِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ إِعَانَةِ الْكَافِرِينَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْحَدُّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ لِإِفْسَادِهِ الْعَقْلَ، بِخِلَافِ الْأَمَارَةِ الْمَحْضَةِ كَزَوَالِ الشَّمْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>