للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَقَالَ الْحَنْبَلِيُّ: نَقَصْتَ وَصْفًا خَاصًّا مِنَ الْعِلَّةِ، وَإِنَّمَا هِيَ إِفْسَادٌ لِلصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِالْجِمَاعِ، فَيَخْرُجُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ عَنْ كَوْنِهِ مُوجِبًا لَهَا.

الرَّابِعُ: أَنْ يَتَوَهَّمَ وُجُودَ الْعِلَّةِ «فِي الْفَرْعِ وَلَيْسَتْ فِيهِ» مِثْلَ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الْخِيَارَ وَنَحْوَهُ مَكِيلٌ، فَيُلْحِقَهُ بِالْبُرِّ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا، أَوْ بِالْعَكْسِ، مِثْلَ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الْأُرْزَ مَوْزُونٌ، فَيُلْحِقَهُ بِالْخَضْرَاوَاتِ فِي عَدَمِ تَحْرِيمِ الرِّبَا بِجَامِعِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكِيلٍ.

وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى تَصْحِيحِ الْعِلَّةِ بِمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ، فَلَا يَصِحُّ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْقِيَاسُ وَإِنْ أَصَابَ، كَمَا لَوْ أَصَابَ بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ وَالْحَدْسِ، أَوْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ اشْتِبَاهِهَا بِدُونِ اجْتِهَادٍ.

قُلْتُ: هَذَا مِمَّا يَمْنَعُ جَوَازَ الْقِيَاسِ، وَقَدْ يُفْضِي إِلَى إِفْسَادِهِ بِتَقْدِيرِ الْخَطَأِ فِي دَلِيلِ تَصْحِيحِ الْعِلَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ فَسَادُ الْقِيَاسِ، لِجَوَازِ أَنْ يُصِيبَ، فَيَصِحُّ الْقِيَاسُ، وَرُبَّمَا اتَّجَهَ جَوَازُ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ.

قَالَ: وَزَادَ آخَرُونَ احْتِمَالًا آخَرَ، وَهُوَ الْخَطَأُ فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ فِي الشَّرْعِ [لِأَنَّ صِحَّةَ الْقِيَاسِ] لَيْسَتْ مَظْنُونَةً حَتَّى يَتَطَرَّقَ إِلَيْهَا هَذَا الِاحْتِمَالُ، بَلْ هِيَ مَقْطُوعٌ بِهَا كَالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ.

قَالَ: وَهَذِهِ الْمَثَارَاتُ لِلْخَطَأِ فِي الْقِيَاسِ إِنَّمَا تَسْتَقِيمُ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ، أَمَّا مَنْ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، فَلَا غَلَطَ فِي الْقِيَاسِ عَلَى رَأْيِهِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْخَطَأُ، وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>