. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَحَدُهَا: إِثْبَاتُهَا بِالْمُنَاسَبَةِ، وَهِيَ - يَعْنِي الْمُنَاسَبَةَ - أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْحُكْمِ وَصْفٌ مُنَاسِبٌ» وَقَدْ سَبَقَ مِثَالُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
قَوْلُهُ: «وَهُوَ» يَعْنِي الْوَصْفَ الْمُنَاسِبَ، «مَا تُتَوَقَّعُ الْمَصْلَحَةُ عَقِيبَهُ لِرَابِطٍ مَا عَقْلِيٍّ» .
قُلْتُ: قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الْمُنَاسِبِ، وَاسْتِقْصَاءِ الْقَوْلِ فِيهِ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ مَدَارَ الشَّرِيعَةِ، بَلْ مَدَارَ الْوُجُودِ، إِذْ لَا مَوْجُودَ إِلَّا وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْمُنَاسَبَةِ الْعَقْلِيَّةِ، لَكِنَّ أَنْوَاعَ الْمُنَاسَبَةِ تَتَفَاوَتُ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَالْخَفَاءِ وَالظُّهُورِ، فَمَا خَفِيَتْ عَنَّا مُنَاسَبَتُهُ، سُمِّيَ تَعَبُّدًا، وَمَا ظَهَرَتْ مُنَاسَبَتُهُ سُمِّيَ مُعَلَّلًا، فَقَوْلُنَا: الْمُنَاسِبُ مَا تُتَوَقَّعُ الْمَصْلَحَةُ عَقِيبَهُ، أَيْ: مَا إِذَا وُجِدَ أَوْ سُمِعَ، أَدْرَكَ الْعَقْلُ السَّلِيمُ كَوْنَ ذَلِكَ الْوَصْفِ سَبَبًا مُفْضِيًا إِلَى مَصْلَحَةٍ مِنَ الْمَصَالِحِ لِرَابِطٍ مِنَ الرَّوَابِطِ الْعَقْلِيَّةِ بَيْنَ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ وَذَلِكَ الْوَصْفِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِي: «لِرَابِطٍ مَا عَقْلِيٍّ» .
وَمِثَالُهُ: أَنَّهُ إِذَا قِيلَ: الْمُسْكِرُ حَرَامٌ، أَدْرَكَ الْعَقْلُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمُسْكِرِ مُفْضٍ إِلَى مَصْلَحَةٍ، وَهِيَ حِفْظُ الْعُقُولِ مِنَ الِاضْطِرَابِ، وَإِذَا قِيلَ: الْقِصَاصُ مَشْرُوعٌ، أَدْرَكَ الْعَقْلُ أَنَّ شَرْعِيَّةَ الْقِصَاصِ سَبَبٌ مُفْضٍ إِلَى مَصْلَحَةٍ، وَهِيَ حِفْظُ النُّفُوسِ، وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَإِنَّمَا قُلْتُ: مَا تُتَوَقَّعُ الْمَصْلَحَةُ عَقِيبَهُ لِرَابِطٍ عَقْلِيٍّ أَخْذًا مِنَ النَّسَبِ الَّذِي هُوَ الْقَرَابَةُ، فَإِنَّ الْمُنَاسِبَ هَاهُنَا مُسْتَعَارٌ وَمُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَنَاسِبَيْنِ فِي بَابِ النَّسَبِ كَالْأَخَوَيْنِ وَابْنَيِ الْعَمِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانَا مُتَنَاسِبَيْنِ لِمَعْنًى رَابِطٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْقَرَابَةُ، فَكَذَلِكَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ هَاهُنَا لَابُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute