للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فِي إِثْبَاتِ الْمُنَاسِبِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ.

وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةَ أَصْنَافٌ; مِنْهَا الْبَدِيهِيَّاتُ وَالنَّظَرِيَّاتُ وَالْمَقْبُولَاتُ، وَالْمُنَاسِبُ مِنْ قَبِيلِ الْمَقْبُولَاتِ، وَهِيَ مَا تَلَقَّاهُ الْعَقْلُ بِجَوْهَرِهِ بِالْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ بِهِ، فَالْعُقُولُ مِعْيَارٌ لَهُ لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ، كَمَا لَا تَخْتَلِفُ فِي إِدْرَاكِ الْبَدِيهِيَّاتِ مَعَ الْقَطْعِ، وَالنَّظَرِيَّاتِ بَعْدَ تَحْقِيقِ مُقَدِّمَاتِ النَّظَرِ.

وَقَالَ الْآمِدِيُّ: أَمَّا نَحْنُ; فَنَقُولُ: الْمُنَاسِبُ عِبَارَةٌ عَنْ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ حُصُولُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلشَّارِعِ مِنْ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ أَوْ تَكْمِيلِهَا، أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ أَوْ تَقْلِيلِهَا دُنْيَا وَأُخْرَى عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ بِمَا لَوْ أَصَرَّ الْخَصْمُ عَلَى مَنْعِهِ بَعْدَهُ، يَكُونُ مُعَانِدًا.

قُلْتُ: هَذَا غَايَةُ مَا يُقَالُ فِي ضَبْطِ رَسْمِ الْمُنَاسِبِ، وَتَحْصِيلُ أَصْلِ الْمَصْلَحَةِ، كَشَرْعِ الْقِصَاصِ، وَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَتَكْمِيلِهَا كَاشْتِرَاطِ الْمُكَافَأَةِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي الْقِصَاصِ، وَتَحْرِيمِ يَسِيرِ الْخَمْرِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى كَثِيرِهِ، وَدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ كَإِيجَابِ الْقَوْدِ لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ إِتْلَافِ النُّفُوسِ، وَتَقْلِيلِهَا كَإِيجَابِهِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، لِأَنَّ فِيهِ تَقْلِيلًا لِلْقَتْلِ، لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً إِلَى إِزْهَاقِ النُّفُوسِ، وَكَإِيجَابِهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْمُنَاسِبُ مَا تَضَمَّنَ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءَ مَفْسَدَةٍ، فَالْأَوَّلُ يَعْنِي تَحْصِيلَ الْمَصْلَحَةِ كَالْغِنَى هُوَ عِلَّةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِتَضَمُّنِهِ مَصْلَحَةَ الْفُقَرَاءِ وَرَبَّ الْمَالِ، وَالثَّانِي: - يَعْنِي دَرْءَ الْمَفْسَدَةِ - كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>