. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَحْرِيمِ الْخَمْرِ بِكَوْنِهِ خَمْرًا، وَتَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ بِكَوْنِهِ بُرًّا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ، لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمَحَلِّ، كَالنَّقْدِيَّةِ الْقَاصِرَةِ عَلَى النَّقْدِ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ، وَالْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ أَعَمُّ مِنَ الْمَحَلِّ، لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ، كَالْخَمْرِ وَالْبُرِّ، وَالْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ قَدْ تَكُونُ وَصْفًا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مَحَلُّ النَّصِ لَمْ يُوضَعْ لَهُ اللَّفْظُ كَالنَّقْدِيَّةِ، فَكُلُّ مَحَلٍّ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ عِلَّةٍ قَاصِرَةٍ مَحَلًّا.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالِاسْمِ. ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ، وَلَمْ يُفْصِحْ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْلِيلِ بِالْمَحَلِّ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ الِاسْمَ بِمَجْرَدِهِ طَرْدِيٌّ مَحْضٌ وَالشَّرَائِعُ شَأْنُهَا رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ.
قُلْتُ: فَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّعْلِيلَ بِالِاسْمِ الْجَامِدِ الَّذِي لَا يُنْبِئُ عَنْ صِفَةٍ مُنَاسِبَةٍ تَصْلُحُ إِضَافَةُ الْحُكْمِ إِلَيْهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ الدَّالِّ عَلَى التَّخْمِيرِ الْمُنَاسِبِ لِلتَّحْرِيمِ، وَهَذَا يُشْكِلُ بِالْبُرِّ، فَإِنَّهُ قَدْ جَازَ التَّعْلِيلُ بِهِ وَهُوَ جَامِدٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّعْلِيلَ بِالتَّسْمِيَةِ، نَحْوَ: حَرُمَتِ الْخَمْرُ لِتَسْمِيَتِهَا خَمْرًا، وَالتَّفَاضُلُ فِي الْبُرِّ لِتَسْمِيَتِهِ بُرًّا وَنَحْوَ ذَلِكَ، إِذِ التَّسْمِيَةُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْمَحَلِّ بِإِشَارَتِهِ إِلَيْهِ، أَوْ تَنْبِيهِهِ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا الْتَفَتَ الْكَلَامُ هُنَا إِلَى الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى، فَمَنْ قَالَ: هُمَا وَاحِدٌ، أَوْ مُتَغَايِرَانِ، وَالْمُرَادُ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الِاسْمِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْعِلَلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute