للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الْعَنْكَبُوتِ: ٤٦] ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْ صُورَةِ النَّقْضِ أَحْسَنُ، لِمَا فِيهِ مِنْ جَمْعِ الْكَلَامِ، وَصِيَانَتِهِ عَنِ النَّقْضِ وَالنَّشْرِ، فَكَانَ وَاجِبًا، عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ بِهِ.

قَوْلُهُ: " وَدَفْعُهُ: إِمَّا بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ، أَوِ الْحُكْمِ فِي صُورَتِهِ ".

أَيْ: وَدَفْعُ سُؤَالِ النَّقْضِ بِالْجَوَابِ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، لِأَنَّ النَّقْضَ إِنَّمَا تَحَقَّقَ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ، وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهَا، فَإِذَا مُنِعَ وُجُودُ الْعِلَّةِ، لَمْ يَتَحَقَّقِ النَّقْضُ، ثُمَّ تَقُولُ: إِنَّمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِلَّتِي عَكْسًا، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَائِهَا.

مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ: قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٌ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ، كَمَا فِي الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَنْتَقِضُ بِقَتْلِ الْمُعَاهَدِ، فَإِنَّهُ قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٌ، وَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ، فَيَقُولُ: لَا أُسَلِّمُ أَنَّهُ عُدْوَانٌ، فَيَنْدَفِعُ النَّقْضُ بِذَلِكَ إِنْ ثَبَتَ لَهُ.

وَهَلْ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ:

أَحَدُهَا: لَا، لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ يَصِيرُ مُسْتَدِلًّا، وَالْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا، فَتَنْقَلِبُ قَاعِدَةُ النَّظَرِ، كَمَا لَوْ قَالَ الْمُعْتَرِضُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْمُعَاهَدِ عُدْوَانٌ: إِنَّهُ قَتْلٌ مُخْفِرٌ لِذِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مُخْفِرًا لِذِمَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ عُدْوَانٌ كَقَتْلِ الْمُسْلِمِ، فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: لَا أُسَلِّمُ أَنَّهُ مُخْفِرٌ لِذِمَّةِ الْإِسْلَامِ فَيُفْضِي إِلَى مَا ذَكَرْنَا.

الثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ بِهِ يَتَحَقَّقُ سُؤَالُهُ، وَيَتِمُّ مَقْصُودُهُ، أَشْبَهَ الْمُسْتَدِلَّ إِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>