للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: الدَّلِيلُ الَّذِي دَلَّ عَلَى أَنَّ وَصْفَكَ الَّذِي عَلَّلْتَ بِهِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعَ عِلَّةٌ؛ مَوْجُودٌ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، فَيَلْزَمُكَ الْإِقْرَارُ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهَا، عَمَلًا بِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمُقْتَضِي لَهُ، لَكِنَّكَ لَمْ تَقُلْ بِهِ، فَيَلْزَمُكَ النَّقْضُ.

مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ: قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٌ، فَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ، كَقَتْلِ الْمُسْلِمِ، فَيَقُولُ الْحَنْبَلِيُّ: لَا أُسَلِّمُ أَنَّ قَتْلَ الذِّمِّيِّ عُدْوَانٌ، فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ قَتْلَ الذِّمِّيِّ عُدْوَانٌ أَنَّهُ مَعْصُومٌ بِعَهْدِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَعْصُومًا بِعِصْمَةِ الْإِسْلَامِ، فَقَتْلُهُ عُدْوَانٌ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: دَلِيلُ الْعُدْوَانِيَّةِ فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ مَوْجُودٌ فِي قَتْلِ الْمُعَاهَدِ، فَلْيَكُنْ عُدْوَانًا يَجِبُ بِهِ الْقَصَاصٌ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَهَذَا نَقْضٌ لِدَلِيلِ الْعِلَّةِ، لَا لِنَفْسِ الْعِلَّةِ، فَلَا يُسْمَعُ، لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ.

وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْكَلَامَ أَوَّلًا كَانَ فِي نَقْضِ وُجُوبِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ بِعَدَمِ وُجُوبِ قَتْلِهِ بِالْمُعَاهَدِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِلَّةِ، وَهُوَ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي نَقْضِ كَوْنِ إِخْفَارِ ذِمَّةِ الْإِسْلَامِ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ عُدْوَانًا عَلَيْهِ بِكَوْنِ الْإِخْفَارِ الْمَذْكُورِ بِقَتْلِ الْمُعَاهَدِ لَيْسَ عُدْوَانًا عَلَيْهِ، وَهُوَ نَقْضٌ لِدَلِيلِ الْعِلَّةِ كَمَا ذُكِرَ، فَقَدَ انْتَقَلَ مِنَ النَّقْضِ لِعِلَّةِ الْحُكْمِ إِلَى النَّقْضِ لِدَلِيلِ عِلَّةِ الْحُكْمِ، فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا إِذَا انْتَقَلَ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ إِلَى إِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَلْزَمُكَ أَنْ تَعْتَرِفَ بِالْعُدْوَانِيَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ لِوُجُودِ دَلِيلِهَا الَّذِي اعْتَمَدْتَ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>