للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قُلْتُ: الضَّابِطُ: هُوَ مَا رَتَّبَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ، لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ حُصُولِ الْحِكْمَةِ، كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ الَّذِي رَتَّبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ حِفْظِ النُّفُوسَ، وَكَإِيلَاجِ الْفَرْجِ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ رَتَّبَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ حِفْظِ الْأَنْسَابِ وَأَشْبَاهِ هَذَا.

مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ: يَتَرَخَّصُ، لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ، فَيَتَرَخَّصُ كَالْمُسَافِرِ سَفَرًا مُبَاحًا، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: لِمَ قُلْتَ: إِنَّهُ يَتَرَخَّصُ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَجِدُ مَشَقَّةً فِي سَفَرِهِ، فَنَاسَبَ التَّرَخُّصَ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ بِالِاعْتِبَارِ، فَيَقُولُ الْحَنْبَلِيُّ: هَذَا يَنْكَسِرُ بِالْمُكَارِي وَالْفَيِّجِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ دَأْبُهُ السَّفَرُ؛ يَجِدُ الْمَشَقَّةَ وَلَا يَتَرَخَّصُ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الْحَاضِرُ؛ يَجِدُ الْمَشَقَّةَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قُلْنَا فِي قَطْعِ الْيَدِ بِالْيَدِ: إِنَّ الْقَطْعَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ، لِأَنَّهُ مُنَاسِبٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ جِنَايَةٌ، وَالْجِنَايَةُ تُنَاسِبُ الْعُقُوبَةَ، فَيُقَالُ: هَذَا يَنْكَسِرُ بِالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ، وَسَائِرُ الْجِنَايَاتِ هِيَ جِنَايَاتٌ، وَلَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ. هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَعْرِيفِ الْكَسْرِ وَتَمْثِيلِهِ.

وَأَمَّا حُكْمُهُ، فَهُوَ أَنَّهُ «غَيْرُ لَازِمٍ» ، أَيْ: غَيْرُ وَارِدٍ نَقْضًا عَلَى الْعِلَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ.

قَوْلُهُ: «إِذِ الْحِكَمُ لَا تَنْضَبِطُ بِالرَّأْيِ، فَرُدَّ ضَبْطُهَا إِلَى تَقْدِيرِ الشَّارِعِ» .

هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَسْرَ لَا يَرُدُّ نَقْضًا. وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ الْحِكَمَ لَيْسَتْ مَضْبُوطَةً فِي نَفْسِهَا، وَمَا لَيْسَ مَضْبُوطًا فِي نَفْسِهِ، وَجَبَ رَدُّهُ إِلَى تَقْدِيرِ الشَّارِعِ وَضَبْطِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْحِكَمَ لَيْسَتْ مَضْبُوطَةً فِي أَنْفُسِهَا، لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>