للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِثَالُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إِذَا قَصَدَ تَصْحِيحَ مَذْهَبِ نَفْسِهِ وَإِبْطَالَ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ: مَا إِذَا قَالَ الْحَنَفِيُّ فِي اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لِلِاعْتِكَافِ، لِأَنَّهُ «لُبْثٌ مَحْضٌ، فَلَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِهِ قُرْبَةً، كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ» فَإِنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِهِ قُرْبَةً، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ الْإِحْرَامُ وَالنِّيَّةُ، فَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ لَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِهِ قُرْبَةً حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَذَلِكَ هُوَ الصَّوْمُ بِالْإِجْمَاعِ، إِذْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ مُقَارَنَةَ غَيْرِ الصَّوْمِ لِلِاعْتِكَافِ، فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدَّمَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِالِاعْتِكَافِ غَيْرُهُ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ هُوَ الصَّوْمُ، وَمَدْرَكُ الْأُولَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَمَدْرَكُ الثَّانِيَةِ الْإِجْمَاعُ الْمَذْكُورُ، «فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ» الشَّافِعِيُّ أَوِ الْحَنْبَلِيُّ فِي قَلْبِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ: الِاعْتِكَافُ «لُبْثٌ مَحْضٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ الصَّوْمُ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً» ، أَيْ: لَا يُشْتَرَطُ لَهُ، «كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ» ، فَإِنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ الصَّوْمُ، فَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ لِلِاعْتِكَافِ عَمَلًا بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ كَوْنُ الْوُقُوفِ وَالِاعْتِكَافِ لُبْثًا مَحْضًا، وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ وَصْفَ الْمُسْتَدِلِّ يُنَاسِبُ دَعْوَاهُ وَعَدَمَهَا، لَمْ يَكُنْ بِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِثْبَاتِ الْآخَرِ، فَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ تَرْجِيحًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، فَهَهُنَا الْمُعْتَرِضُ قَصَدَ بِقَلْبِ الدَّلِيلِ تَصْحِيحَ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لِلِاعْتِكَافِ وَإِبْطَالَ مَذْهَبِ خَصْمِهِ.

وَمِثَالُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا إِذَا قَصَدَ إِبْطَالَ مَذْهَبِ خَصْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>