. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَبَقِيَ قَوْلُهُ: لَا تُقْصَرُ؛ وَصْفًا طَرْدِيًّا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِتَقْدِيمِ الْأَذَانِ عَلَى الْوَقْتِ، وَلَا عَدَمِهِ.
وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي هَذَا: أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ اقْتَضَى تَعْلِيلَ عَدَمِ تَقْدِيمِ الْأَذَانِ بِعَدَمِ الْقَصْرِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يُقَدَّمُ الْأَذَانُ عَلَى الْفَجْرِ، لِأَنَّهَا لَا تُقْصَرُ، وَاطَّرَدَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْعَكِسْ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، إِذْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ أَنَّ مَا يُقْصَرُ مِنَ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ تَقْدِيمُ أَذَانِهِ عَلَى وَقْتِهِ مِنْ حَيْثُ انْعِكَاسِ الْعِلَّةِ، لَكِنِ الْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ، لَكِنْ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى عَكْسِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ، وَإِذَا أُلْغِيَ قَوْلُهُ: لَا تُقْصَرُ؛ لَمْ يَبْقَ لِاخْتِصَاصِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ - وَهُوَ الْمَغْرِبُ - وَجْهٌ، إِذْ كُلُّ الصَّلَوَاتِ لَا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا.
وَمِثَالُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الدَّلِيلُ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدُونِهِ: قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: «مَبِيعٌ لَمْ يَرَهُ» الْعَاقِدُ، «فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ» ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ هَهُنَا عَدِيمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ بَيْعُ الطَّيْرِ، لِأَنَّ «بَيْعَ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ مَمْنُوعٌ» ، أَيْ: لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا. وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ هَهُنَا مِنْ جِهَةِ الْعَكْسِ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ تَعْلِيلَ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَرْئِيٍّ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَقَدْ بَطَلَ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ.
وَذَكَرَ النِّيلِيُّ هَذَا الْمِثَالَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ، فَقَالَ: مَبِيعٌ لَمْ يَرَهُ فَلَا يَصِحُّ، كَمَا إِذَا بَاعَ مَيْتَةً لَمْ يَرَهَا، وَهُوَ فِي مَعْنَى النَّظْمِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ فِي بَيْعِ الْمَيْتَةِ عَدِيمُ التَّأْثِيرِ، إِذْ نَجَاسَتُهَا تَسْتَقِلُّ بِالْبُطْلَانِ كَمَا أَنَّ الْغَرَرَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute