. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْخَصْمَيْنِ فِيهِ، فَتَرَكَّبَ مِنْهُمَا.
وَتَحْقِيقُ التَّرْكِيبِ هَهُنَا: هُوَ أَنْ يَتَّفِقَ الْخَصْمَانِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي عِلَّتِهِ، فَإِذَا أَلْحَقَ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ الْأَصْلِ فَرْعًا بِغَيْرِ عِلَّةِ صَاحِبِهِ، فَالْقِيَاسُ مُنْتَظِمٌ، لَكِنْ بِنَاءً عَلَى تَرْكِيبِ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ عِلَّتَيْنِ.
مِثَالُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: أَنَّ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَعْتَقِدَانِ أَنَّ بِنْتَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا لِأُنُوثَتِهَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا لِصِغَرِهَا، إِذِ الْجَارِيَةُ إِنَّمَا تَبْلُغُ عِنْدَهُ لِتِسْعَ عَشْرَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِثَمَانِي عَشْرَةَ كَالْغُلَامِ، فَالْعِلَّتَانِ مَوْجُودَةٌ فِيهَا، وَالْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ. فَإِذَا قَالَ الْحَنْبَلِيُّ فِي الْبَالِغَةِ: أُنْثَى فَلَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا كَبِنْتِ خَمْسَ عَشْرَةَ انْتَظَمَ الْقِيَاسُ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَرْكِيبِ حُكْمِ الْأَصْلِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ مِنَ الْعِلَّتَيْنِ، وَاسْتِنَادِهِ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى عِلَّتِهِ. وَلِهَذَا جَازَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ صِحَّةِ الْقِيَاسِ لِاخْتِلَافِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ هَهُنَا لِلْمُسْتَدِلِّ: أَنْتَ عَلَّلْتَ الْمَنْعَ فِي الْبَالِغَةِ بِالْأُنُوثَةِ، وَالْمَنْعُ فِي بِنْتِ خَمْسَ عَشْرَةَ عِنْدِي مُعَلَّلٌ بِالصِّغَرِ، فَمَا اتَّفَقَتْ عِلَّةُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، فَلَا يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ.
قَوْلُهُ: «فَفِي صِحَّةِ التَّمَسُّكِ بِهِ خِلَافٌ» ، هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟
قَوْلُهُ: «الْإِثْبَاتُ» ؛ بَدَلٌ مِنْ «خِلَافٌ» ، وَ «النَّفْيُ» بَعْدَهُ عَطْفٌ عَلَيْهِ. أَيْ: فِي ذَلِكَ خِلَافٌ: الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ، أَيْ: أَثْبَتَ صِحَّةَ التَّمَسُّكِ بِهِ قَوْمٌ، وَنَفَاهُ آخَرُونَ.
حُجَّةُ الْإِثْبَاتِ: أَنَّ حَاصِلَ سُؤَالِ التَّرْكِيبِ يَرْجِعُ إِلَى النِّزَاعِ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي عِلَّتِهِ، كَالنِّزَاعِ فِي حُكْمِهِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَجُوزُ عَلَى أَصْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَإِذَا مَنَعَهُ الْمُعْتَرِضُ، أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ بِطَرِيقِهِ، وَصَحَّ قِيَاسُهُ، فَهَهُنَا كَذَلِكَ يُثْبِتُ الْمُسْتَدِلُّ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي بِنْتِ خَمْسَ عَشْرَةَ هِيَ الْأُنُوثَةُ، وَيُحَقِّقُهَا فِي الْفَرْعِ، وَهِيَ الْبَالِغَةُ، وَيُبْطِلُ مَأْخَذَ الْخَصْمِ وَهُوَ تَعْلِيلُهُ فِي بِنْتِ خَمْسَ عَشْرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute