للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَهُوَ " لُغَةً "، أَيْ: فِي اللُّغَةِ: " بَذْلُ الْجُهْدِ "، يَعْنِي الطَّاقَةَ " فِي فِعْلٍ شَاقٍّ "، وَإِنَّمَا وَصَفْنَا الْفِعْلَ بِكَوْنِهِ شَاقًّا لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ مُخْتَصٌّ بِهِ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ، إِذْ يُقَالُ: " اجْتَهَدَ " الرَّجُلُ " فِي حَمْلِ الرَّحَى " وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الثَّقِيلَةِ، وَ " لَا " يُقَالُ: اجْتَهَدَ " فِي حَمْلِ خَرْدَلَةٍ " وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الْخَفِيفَةِ.

" وَاصْطِلَاحًا "، أَيْ: وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ: " بَذْلُ الْجُهْدِ فِي تَعَرُّفِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ "، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي " الرَّوْضَةِ " وَ " الْمُسْتَصْفَى " " بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي الْعِلْمِ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ.

وَقَالَ الْآمِدِيُّ: هُوَ اسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ الظَّنِّ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ يُحَسُّ مِنَ النَّفْسِ الْعَجْزُ عَنِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: هُوَ اسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي الْمَطْلُوبِ لُغَةً، وَاسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي النَّظَرِ فِيمَا يَلْحَقُهُ فِيهِ لَوْمٌ شَرْعِيٌّ اصْطِلَاحًا.

قُلْتُ: وَجَمِيعُ ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَسَاوِيًا.

قَوْلُهُ: " وَالتَّامُّ مِنْهُ أَيْ: مِنْ الِاجْتِهَادِ " مَا انْتَهَى إِلَى حَالِ الْعَجْزِ عَنْ مَزِيدِ طَلَبٍ " الْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ يَنْقَسِمُ إِلَى نَاقِصٍ وَتَامٍّ، فَالنَّاقِصُ: هُوَ النَّظَرُ الْمُطْلَقُ فِي تَعَرُّفِ الْحُكْمِ، وَتَخْتَلِفُ مَرَاتِبُهُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ. وَالتَّامُّ: هُوَ اسْتِفْرَاغُ الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ حَتَّى يُحِسَّ النَّاظِرُ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنْ مَزِيدِ طَلَبٍ. وَمِثَالُهُ مِثَالُ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ دِرْهَمٌ فِي التُّرَابِ، فَقَلَّبَهُ بِرِجْلِهِ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَتَرَكَهُ وَرَاحَ. وَآخَرُ إِذَا جَرَى لَهُ ذَلِكَ، جَاءَ بِغِرْبَالٍ، فَغَرْبَلَ التُّرَابَ حَتَّى يَجِدَ الدِّرْهَمَ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَا عَادَ يَلْقَاهُ، فَالْأَوَّلُ اجْتِهَادٌ قَاصِرٌ، وَالثَّانِي تَامٌّ.

قَوْلُهُ: " وَشَرْطُ الْمُجْتَهِدِ إِحَاطَتُهُ بِمَدَارِكِ الْأَحْكَامِ، هِيَ الْأُصُولُ الْمُتَقَدِّمَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>