للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَقَلَّ أَنْ يُوجَدَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ إِلَّا وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهَا شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ. وَإِذَا أَرَدْتَ تَحْقِيقَ هَذَا، فَانْظُرْ إِلَى كِتَابِ «أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ» لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَصَرُوهَا فِي خَمْسِمِائَةِ آيَةٍ إِنَّمَا نَظَرُوا إِلَى مَا قُصِدَ مِنْهُ بَيَانُ الْأَحْكَامِ دُونَ مَا اسْتُفِيدَتْ مِنْهُ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ بَيَانُهَا.

قَوْلُهُ: «بِحَيْثُ يُمْكِنُ اسْتِحْضَارُهَا لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا، لَا حِفْظُهَا» ، أَيْ: الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ مَعْرِفَتُهُ لِلْمُجْتَهِدِ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَحْفَظَهُ، وَإِنْ حَفِظَهُ، فَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُهُ بِلَفْظِهِ، بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحْضِرًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَعْرِفُ مَوَاقِعَهُ مِنْ مَظَانِّهِ، لِيَحْتَجَّ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ مَقْصُودَ الِاجْتِهَادِ - وَهُوَ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ بِدَلِيلِهِ - يَحْصُلُ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: «وَكَذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ» ، أَيْ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ مِنَ السُّنَّةِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ، كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ الْآيَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْقُرْآنِ

قُلْتُ: فَالْكَلَامُ هُنَا فِي التَّقْدِيرِ، كَالْكَلَامِ هُنَاكَ، أَعْنِي أَنَّ اسْتِنْبَاطَ الْأَحْكَامِ لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ بَعْضُ السُّنَّةِ دُونَ بَعْضٍ، بَلْ قَلَّ حَدِيثٌ يَخْلُو عَنِ الدَّلَالَةِ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ. وَمَنْ نَظَرَ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ عَلَى دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ، كَالْقَاضِي عِيَاضٍ، وَالنَّوَاوِيِّ عَلَى «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» ، وَالْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى «الْبُخَارِيِّ» ، وَفِي شَرْحِ «سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ» وَغَيْرِهَا؛ عَرِفَ ذَلِكَ.

نَعَمْ أَحَادِيثُ السُّنَّةِ وَإِنْ كَثُرَتْ، فَهِيَ مَحْصُورَةٌ فِي الدَّوَاوِينِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مِنْهَا مَشْهُورٌ، كَالصَّحِيحَيْنِ وَبَقِيَّةِ السُّنَنِ السِّتَّةِ وَمَا أَشْبَهَهَا. وَقَدْ قَرَّبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>