للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قُلْنَا: إِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا آحَادٌ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الِاسْتِفَاضَةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ فِي إِثْبَاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهَا اجْتِهَادِيَّةٌ تَثْبُتُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ.

وَعَنِ الثَّالِثِ: بِأَنَّ انْتِظَارَ الْوَحْيِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الِاجْتِهَادِ مِنْهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ عِنْدَ تَعَارُضِ مَدَارِكِ الْحُكْمِ، وَمَسَالِكِ الِاجْتِهَادِ، «وَاسْتِبْهَامِ وَجْهِ الْحَقِّ» أَمَّا حَيْثُ ظَهَرَ لَهُ الْحُكْمُ، فَكَانَ يَجْتَهِدُ وَلَا يَنْتَظِرُ.

وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوِ اجْتَهَدَ، لَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُ، وَالْفَرْقُ عِصْمَتُهُ، وَتَأْيِيدُهُ الْإِلَهِيُّ دُونَهُمْ. سَلَّمْنَاهُ؛ لَكِنْ غَايَةُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ «التُّهْمَةِ» ، لَكِنْ «لَا تَأْثِيرَ لَهَا، إِذْ قَدِ اتُّهِمَ فِي النَّسْخِ» حَتَّى قَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ الْكُفَّارِ: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [الْبَقَرَةِ: ١٤٢] ، وَحَتَّى قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَعْمَلُ بِرَأْيِهِ، فَيَعْمَلُ الْيَوْمَ شَيْئًا، وَيُخَالِفُهُ غَدًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقْتَضِ تَطَرُّقُ التُّهْمَةِ بُطْلَانَ النَّسْخِ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَرْكُ حَقٍ لِبَاطِلٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.

قَوْلُهُ: «ثُمَّ الِاجْتِهَادُ» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا تَوْجِيهٌ آخَرُ لِوُقُوعِ الِاجْتِهَادِ مِنْهُ، مُؤَكِّدٌ لِمَا سَبَقَ.

وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ «الِاجْتِهَادَ مَنْصِبُ كَمَالٍ لِشَحْذِهِ الْقَرِيحَةَ» بِالنَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ وَمُقَدَّمَاتِهَا، «وَحُصُولِ ثَوَابِهِ» ، أَيْ: ثَوَابِ الِاجْتِهَادِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِتْعَابِ النَّفْسِ فِي اسْتِخْرَاجِ الْحُكْمِ، فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْلَى النَّاسِ بِهِ» ، ضَمًّا لِكَمَالِ الِاجْتِهَادِ الْكَسْبِيِّ السَّلْبِيِّ إِلَى الْكَمَالِ الْمُنْتِجِيِّ الْإِلَهِيِّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>