للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هَذَا الشَّرْحِ، فَبِتَقْدِيرِ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ التَّأْكِيدُ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ هَهُنَا. فَأَقُولُ: الْقَطْعِيَّةُ مَا وَجَبَ اعْتِقَادُ الْحُكْمِ فِيهَا قَطْعًا، وَلَمْ يَجُزِ اعْتِقَادُ نَقِيضِهِ وَلَا جَوَازُهُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا. وَالِاجْتِهَادِيَّةُ بِخِلَافِهِ، وَذَلِكَ تَابِعٌ لِلدَّلِيلِ، فَمَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ، أَوِ احْتَمَلَهُ احْتِمَالًا ضَعِيفًا، لَيْسَ لَهُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ، فَهُوَ قَطْعِيٌّ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ، يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ احْتِمَالًا قَوِيًّا، يُعْذَرُ فِيهِ مَنْ صَارَ إِلَيْهِ عَقْلًا وَعُرْفًا؛ فَهُوَ اجْتِهَادِيٌّ.

وَأَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ بِمُوجِبِ هَذَا التَّقْرِيرِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: لِأَنَّ الْحُكْمَ، إِمَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى قَاطِعٍ، أَوْ مُحْتَمِلًا احْتِمَالًا يَسُوغُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ لِبُعْدِهِ، فَهُوَ قَاطِعٌ، كَمَسْأَلَةِ وُجُودِ الصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَقِدَمِهِ، وَحُدُوثِ الْعَالَمِ، وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَمَا عُرِفَ مِنْ جِهَتِهِمْ مِنَ الْقَوَاطِعِ، كَالْبَعْثِ وَأَحْكَامِ الْمَعَادِ.

وَإِمَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى دَلِيلٍ ظَنِّيٍّ يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ احْتِمَالًا قَوِيًّا، فَهُوَ اجْتِهَادِيٌّ، كَأَحْكَامِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ، وَأَكْثَرِ أُصُولِ الْفِقْهِ. وَإِمَّا أَنْ يَتَرَدَّدَ الدَّلِيلُ بَيْنَ الْقَاطِعِ وَالظَّنِّيِّ، فَيَكُونُ دُونَ الْقَاطِعِ، وَفَوْقَ الظَّنِّيِّ فِي الْقُوَّةِ، كَبَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْعَقَائِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ، مِمَّا اعْتَوَرَتْهَا الْأَدِلَّةُ وَالشُّبَهُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَهَذِهِ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْقَطْعِيِّ وَالِاجْتِهَادِيِّ، تَبَعًا لِدَلِيلِهَا فِي ذَلِكَ، وَالَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّ إِلْحَاقَهَا بِالِاجْتِهَادِيَّاتِ أَوْلَى، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْقَطْعِ - مَعَ عَدَمِ دَلِيلٍ يُفِيدُهُ - تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، وَهُوَ وَإِنْ جَازَ، لَكِنَّ وُقُوعَهُ مُمْتَنِعٌ أَوْ نَادِرٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>