للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وَهَذَا لَا يَعْلَمُ {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وَهُمُ الْعُلَمَاءُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ التَّقْلِيدِ، تُرِكَ فِي مَنِ اجْتَهَدَ لِظُهُورِ الْحَقِّ لَهُ بِالْفِعْلِ؛ فَمَنْ عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ.

قُلْنَا: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْأَلُوا: الْعَامَّةُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَلْ يَعْلَمُ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ، وَأُولُو الْأَمْرِ: الْوُلَاةُ، وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُمُ الْعُلَمَاءُ فَجَوَابُهُ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِعُمُومِ: {فَاعْتَبِرُوا} {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} وَقَوْلِهِ: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} وَهَذَا حَثٌّ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ.

وَالتَّدَبُّرُ تُرِكَ فِي الْعَامِّيِّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، فَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَوَجْهُ بَقِيَّةِ التَّفَاصِيلِ ظَاهِرٌ، وَدَلِيلُ ضَعْفِهَا عُمُومُ الدَّلِيلِ.

ــ

قَوْلُهُ: «قَالُوا:» يَعْنِي مَنْ جَوَّزَ التَّقْلِيدَ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النَّحْلِ: ٤٣] . «وَهَذَا» وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلِاجْتِهَادِ، لَكِنَّهُ «لَا يَعْلَمُ» هَذَا الْحُكْمَ الْخَاصَّ، فَيَتَنَاوَلُهُ عُمُومُ هَذَا النَّصِّ، فَجَازَ لَهُ التَّقْلِيدُ كَالْعَامِّيِّ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النِّسَاءِ: ٥٩] ، «وَهُمُ الْعُلَمَاءُ» ، أَمَرَ بِطَاعَتِهِمْ، وَذَلِكَ بِتَقْلِيدِهِمْ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنِ الشَّرْعِ، وَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ هَذَا الْمُجْتَهِدَ وَغَيْرَهُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: «أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ التَّقْلِيدِ» لِامْتِنَاعِ حُصُولِ أَدَوَاتِ الِاجْتِهَادِ فِي كُلِّ أَحَدٍ عَادَةً «تُرِكَ» ذَلِكَ «فِي مَنِ اجْتَهَدَ» وَظَنَّ الْحُكْمَ، «لِظُهُورِ الْحَقِّ لَهُ بِالْفِعْلِ، فَمَنْ عَدَاهُ» يَبْقَى «عَلَى الْأَصْلِ» وَهُوَ جَوَازُ التَّقْلِيدِ، فَثَبَتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>