للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وُجِدَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ، فَفِي كَلَامِ الْمُجْتَهِدِينَ كَذَلِكَ وَأَوْلَى، لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي سِيَاقِ ذَمِّهِمْ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: {مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [الْمُجَادَلَةِ: ٢] ، فَفَهِمْنَا مِنْ ذَلِكَ تَعْلِيلَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ عَلَى جِهَةِ الْعُقُوبَةِ، فَقُلْنَا: إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي؛ لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهَا قَدْ أَتَتْ بِالْمُنْكَرِ مِنَ الْقَوْلِ وَالزُّورِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَقَدْ يَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَقْتَضِي جَعْلَ الْمَرْأَةِ مُظَاهِرَةً وَقَدْ نَفَاهُ الْخِرَقِيُّ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهَا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ.

قُلْتُ: وَالْتِزَامُ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ. وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْهِرَّةِ: إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ وَوُجِدَتْ عِلَّةُ الطَّوَافِ فِي غَيْرِهَا؛ جَعَلْنَا حُكْمَ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ وَاحِدًا. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ، أَوْ رُوِيَ لَهُ: أَنَّ قَوْمًا عَلَى مَاءٍ لَهُمْ مَرَّ بِهِمْ قَوْمٌ آخَرُونَ، فَاسْتَسْقُوهُمْ فَلَمْ يَسْقُوهُمْ حَتَّى مَاتُوا عَطَشًا، فَضَمَّنَ عُمَرُ أَصْحَابَ الْمَاءِ دِيَاتِهِمْ. فَقِيلَ لِأَحْمَدَ: أَتَقُولُ بِهَذَا؟ قَالَ: إِيْ وَاللَّهِ؛ يَقُولُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا آخُذُ بِهِ! فَلَمَّا عَلَّلَ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَهُ؛ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي كُلِّ حُكْمٍ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ، وَأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُ حُجَّةٌ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: «وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنِ الْعِلَّةَ» يَعْنِي الْمُجْتَهِدَ إِذَا نَصَّ عَلَى حُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ عِلَّتَهُ «فَلَا» أَيْ: فَلَا يُحْكَمُ بِحُكْمِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي غَيْرِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>