للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنْ حَيْثُ ذَكَرْنَا، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا إِذَا قَالَتْ لَهُ: بِكَ زَنَيْتُ، فَهِيَ غَيْرُ قَاصِدَةٍ لِقَذْفِهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَتْ إِلْزَامَهُ بِمِثْلِ مَا أَلْزَمَهَا، وَتَوْبِيخَهُ عَلَى تَعْبِيرِهِ لَهَا بِفِعْلٍ قَدْ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَذَلِكَ مِمَّا تُنْكِرُهُ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ، كَأَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ عَيَّرْتَنِي بِالزِّنَى فَعَيِّرْ نَفْسَكَ لِأَنِّي وَأَنْتَ اشْتَرَكْنَا فِيهِ.

وَمِنَ الْمَشْهُورِ فِي إِنْكَارِ تَعْيِيرِ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ هُوَ قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [الْبَقَرَةِ: ٤٤] ، وَقَوْلُ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هُودٍ: ٨٨] ، وَقَوْلُ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِنَ الضَّرْطَةِ أَيَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ

فَهَذَا كُلُّهُ يَشْتَرِكُ فِي الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا.

أَمَّا إِذَا قَالَ لَهَا: زَنَى بِكِ فُلَانٌ، فَقَدْ قَصَدَ قَذْفَهَا، وَأَسْنَدَهُ إِلَى فُلَانٍ إِسْنَادَ الْفَاعِلِيَّةِ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا هِيَ لَهُ: بِكَ زَنَيْتُ، فَإِنَّهَا إِنَّمَا أَضَافَتِ الزِّنَى إِضَافَةَ الْفَاعِلِيَّةِ إِلَى نَفْسِهَا دُونَهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ قَاذِفَةً لَهُ، بِخِلَافِهِ هُوَ حَيْثُ كَانَ قَاذِفًا لَهَا.

وَمِثَالُ مَا لَا يَقْبَلُ التَّقْرِيرَ مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَنْقَدِحُ بَيْنَ صُورَتَيْهَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ.

أَمَّا مَسْأَلَةُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، فَفِي قَبُولِهَا لِلتَّقْرِيرِ نَظَرٌ، إِذْ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاكِ الثَّوْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>