للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَلَيْهِ الْمَدْحَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرًا لَهُ عِنْدَ إِيجَادِهِ، وَإِذَا كَانَ تَارِكُ الزِّنَى مُتَصَوِّرًا لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ عِنْدَ تَرْكِهِ لَهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَرْكِ الزِّنَى مُتَصَوِّرًا لِضِدِّيَّةِ تَرْكِهِ لَهُ، لِأَنَّ ضِدَّ الشَّيْءِ مَا لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ، وَعَدَمُ اجْتِمَاعِ الزِّنَى وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ مِنَ الْبَدِيهِيَّاتِ، نَعَمْ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ حَدَّ ضِدِّ الشَّيْءِ مَا لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ، لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ رَاجِعَةٌ إِلَى الْأَلْفَاظِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ، لَا إِلَى الْحَقَائِقِ وَالذَّوَاتِ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الْإِدْرَاكِيَّةِ مُتَصَوِّرٌ جَازِمٌ بِأَنَّ تَرْكَ الزِّنَى ضِدٌّ لَهُ. وَالْغَفْلَةُ إِنَّمَا وَقَعَتْ فِي أَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ تَعْرِيفَ الضِّدِّ مَا هُوَ؟ أَوْ أَنَّ مَا تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُ مَعَ غَيْرِهِ ضِدٌّ لَهُ أَوْ لَا؟ ثُمَّ عَلَى أَبِي هَاشِمٍ فِي حُجَّتِهِ سُؤَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ دَعْوَاكَ فِي أَنَّ مُتَعَلِّقَ التَّكْلِيفِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ كُلِّيَّةً، وَإِنَّمَا أَثْبَتَهَا بِمِثَالٍ جُزْئِيٍّ، وَهُوَ مَدْحُ تَارِكِ الزِّنَى مَعَ غَفْلَتِهِ عَنْ أَنَّ تَرْكَهُ ضِدٌّ لَهُ، وَالصُّوَرُ الْجُزْئِيَّةُ لَا تُثْبِتُ الدَّعَاوَى الْكُلِّيَّةَ، إِذْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كُلُّ إِنْسَانٍ عَالِمٌ، لِأَنَّ زَيْدًا عَالِمٌ، أَوْ كُلُّ حَيَوَانٍ عَاقِلٌ، لِأَنَّ نَوْعَ الْإِنْسَانِ عَاقِلٌ، لَمَا صَحَّ ذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُ التَّكْلِيفِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ الْفِعْلَ، وَفِي بَعْضِهَا الْعَدَمَ، فَقَدْ كَانَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ تُبَرْهِنَ عَلَى عُمُومِ دَعَوَاكَ بِبُرْهَانٍ عَامٍّ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقُ التَّكْلِيفِ فِي النَّهْيِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلْمُكَلَّفِ يَنْعَكِسُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مُتَعَلَّقَهُ عِنْدَهُ الْعَدَمُ الْمَحْضُ، وَقَصْدُهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، إِنَّمَا الْمُمْكِنُ قَصْدُ إِعْدَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْإِعْدَامُ فِعْلٌ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْعَدَمِ وَالْإِعْدَامِ، كَمَا بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْإِيجَادِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>