. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا «عَلَى تَسْوِيغِ سُؤَالِ مُقَلِّدِيهِمُ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ» ، أَيْ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يُقَلِّدَ فَاضِلَهُمْ وَمَفْضُولَهُمْ، وَذَلِكَ يَنْفِي وُجُوبَ تَخَيُّرِ الْأَفْضَلِ وَإِلَّا كَانَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خَطَأً وَهُوَ بَاطِلٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: «أَنَّ الْفَضْلَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ» بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ، فَلْيَكْفِ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ «وَلَا عِبْرَةَ بِخَاصَّةِ الْأَفْضَلِيَّةِ» .
قُلْتُ: وَلِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي رُتْبَةِ الْفَضَائِلِ، فَمَا مِنْ فَاضِلٍ إِلَّا وَثَمَّ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يُوسُفَ: ٧٦] ، فَلَوِ اعْتُبِرَ الْأَفْضَلُ، لَانْسَدَّ بَابُ التَّقْلِيدِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إِذَا اعْتَبَرْنَا أَفْضَلَ الْمُجْتَهِدِينَ مُطْلَقًا، أَمَّا إِذَا قَيَّدْنَا ذَلِكَ بِمُجْتَهَدِي الْبَلَدِ، لَمْ يَلْزَمْ، لِأَنَّ الْفَاضِلَ فِي كُلِّ بَلَدٍ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ.
قَوْلُهُ: «الْمُثْبِتُ» ، أَيْ: احْتَجَّ الْمُثْبِتُ لِوُجُوبِ تَخَيُّرِ الْأَفْضَلِ بِأَنَّ «الظَّنَّ الْحَاصِلَ مِنْ قَوْلِ الْأَفْضَلِ أَغْلَبُ» ، فَيَكُونُ وَاجِبًا، أَمَّا الْأُولَى، فَظَاهِرَةٌ، وَأُمَّا الثَّانِيَةُ، فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لِتَعَذُّرِهِ، فَوَجَبَ الظَّنُّ الْأَقْرَبُ إِلَى الْعِلْمِ كَمَا سَبَقَ.
قُلْتُ: الْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ، وَالْأَوَّلُ أَيْسَرُ، وَالثَّانِي أَحْوَطُ.
قَوْلُهُ: «فَإِنْ سَأَلَهُمَا وَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ» ، إِلَى آخِرِهِ. أَيْ: إِنْ سَأَلَ الْمُسْتَفْتِي مُجْتَهِدَيْنِ، فَأَكْثَرَ، فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ، «فَهَلْ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute