للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْبَابُ مَعْقُودًا لِتَرْتِيبِ الْأَدِلَّةِ وَتَرْجِيحِهَا، وَجَبَ الْكَشْفُ عَنْ حَقِيقَةِ التَّرْتِيبِ وَالتَّرْجِيحِ مَا هِيَ، لِأَنَّهُمَا شَرْطَانِ فِي الِاجْتِهَادِ، وَالْحُكْمِ عَلَيْهِمَا بِالشَّرْطِيَّةِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ تَصَوُّرِ مَاهِيَّتِهِمَا، إِذِ التَّصْدِيقُ أَبَدًا مَسْبُوقٌ بِالتَّصَوُّرِ. وَلَمَّا كَانَ التَّرْتِيبُ مَصْدَرَ رَتَّبَ يُرَتِّبُ تَرْتِيبًا ; عَرَّفْنَاهُ بِمَصْدَرٍ مِثْلِهِ وَهُوَ الْجَعْلُ.

قَوْلُهُ: " جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا "، لِأَنَّ التَّرْتِيبَ قَدْ يَكُونُ فِي شَيْئَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ كَجَمَاعَةِ رِجَالٍ مُتَفَاوِتِينَ فِي الْأَقْدَارِ يَجْلِسُ كُلٌّ مِنْهُمْ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَصْحَابِهِ.

قَوْلُهُ: " فِي رُتْبَتِهِ "، أَيْ: فِي مَوْضِعِهِ أَوْ مَنْزِلَتِهِ " الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا "، أَيْ: يَسْتَحِقُّ جَعْلَهُ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لِأَنَّ أَسْبَابَ التَّرْتِيبِ وَالتَّفَاوُتِ فِي الْمَرَاتِبِ مُتَعَدِّدَةٌ، فَقَدْ يَسْتَحِقُّ الشَّيْءُ التَّقْدِيمَ مِنْ جِهَةِ قُوَّتِهِ أَوْ قُرْبِهِ أَوْ حُسْنِهِ أَوْ خَاصِّيَّةٍ فِيهِ. وَقَدْ يَسْتَحِقُّ الْإِنْسَانُ التَّقْدِيمَ تَارَةً لِشَجَاعَتِهِ، وَتَارَةً لِعِلْمِهِ، وَتَارَةً لِجَاهِهِ، وَتَارَةً لِدِينِهِ، وَتَارَةً لِجَمَالِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجِهَاتِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ تَرْتِيبَ الْأَقَارِبِ فِي نَفَقَاتِهِمْ وَفِطْرَتِهِمْ وَوِلَايَتِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَإِرْثِهِمْ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ وَالْقُوَّةِ عَلَى مَا فُصِّلَ فِي الْفِقْهِ.

قَوْلُهُ: " فَالْإِجْمَاعُ مُقَدَّمٌ عَلَى بَاقِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ ".

قَدْ سَبَقَ أَنَّ أَدِلَّةَ الشَّرْعِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُصُولِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَوْ لَمْ نَذْكُرْهُ، وَالْإِجْمَاعُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا جَمِيعًا لِوَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>