للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَبِقَوْلِهِمُ: الْمُكَلَّفِينَ، خَرَجَ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ.

وَقَوْلُهُمْ: «بِالِاقْتِضَاءِ» احْتِرَازٌ مِنْ مِثْلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [الْكَهْفِ: ٥٠] ، {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} [الْبَقَرَةِ: ٥٨] ، {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النَّحْلِ: ٥١] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ خِطَابُ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَلَيْسَ بِحُكْمٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الطَّلَبِ وَالِاقْتِضَاءِ، بَلْ هُوَ خَبَرٌ عَنْ تَكْلِيفٍ سَابِقٍ أَوْ حَاضِرٍ، إِذْ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النَّحْلِ: ٥١] ، هُوَ إِخْبَارٌ حَالِيٌّ لِلْمُخَاطَبِينَ بِنَهْيهِ لَهُمْ عَنِ الشِّرْكِ. وَقَوْلُهُمْ: «أَوِ التَّخْيِيرِ» تَكْمِيلٌ لِلْحَدِّ، لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمُبَاحُ، إِذْ الِاقْتِضَاءُ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، وَهِيَ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمَحْظُورُ وَالْمَكْرُوهُ، فَلَوِ اقْتُصِرَ، لَكَانَ نَاقِصًا. فَبِقَوْلِهِمْ: أَوِ التَّخْيِيرِ، كَمُلَ بِدُخُولِ الْمُبَاحِ فِيهِ.

وَيُورِدُ الْمُتَعَنِّتُونَ عَلَى مِثْلِ قَوْلِنَا: أَوِ التَّخْيِيرِ، أَنَّ «أَوْ» لِلشَّكِّ وَالتَّرْدِيدِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْحُدُودِ الْكَشْفُ وَالتَّحْقِيقُ، وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ.

وَأُجِيبُ عَنْهُ، بِأَنَّ «أَوْ» لَهَا مَعَانٍ تُذْكَرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فِي مَسْأَلَةِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، مِنْهَا التَّنْوِيعُ، نَحْوُ: الْإِنْسَانُ إِمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَالْعَدَدُ: إِمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ، أَيْ: هُوَ مُتَنَوِّعٌ إِلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، أَيِ: الْحُكْمُ لَهُ نَوْعَانِ: اقْتِضَاءٌ وَتَخْيِيرٌ، وَالتَّنْوِيعُ، هُوَ نَفْسُ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ، لَا مُنَافٍ لَهُ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ مِثْلِ هَذَا، أَنَّهُ حُكْمٌ بِالتَّرْدِيدِ، لَا تَرْدِيدٌ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>