للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النَّاعِمَاتِ، كَانَ الْحَرَجُ فِيهِ مُنْتَفِيًا قَبْلَ الشَّرْعِ، وَهُوَ بَعْدَ الشَّرْعِ عَلَى مَا كَانَ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، كَانَ الشَّرْعُ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَهَا، كَالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ.

وَالْجَوَابُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ انْتِفَاءُ الْحَرَجِ، بَلْ هِيَ تَخْيِيرٌ شَرْعِيٌّ يَلْزَمُ عَنْهُ انْتِفَاءُ الْحَرَجِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا انْتِفَاءُ الْحَرَجِ، لَكِنْ إِنْ عَنَيْتُمْ بِانْتِفَاءِ الْحَرَجِ الْمُسْتَفَادَ مِنْ تَخْيِيرِ الشَّرْعِ، فَهِيَ شَرْعِيَّةٌ كَمَا قُلْنَا. وَإِنْ عَنَيْتُمْ أَنَّهُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ، فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ حَاكِمٌ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ، وَأَنَّ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ الشَّرْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَهُمَا أَصْلَانِ مَمْنُوعَانِ، وَقَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَتْ شَرْعِيَّةً، لَكَانَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَهَا، قُلْنَا: كَذَلِكَ نَقُولُ: الشَّرْعُ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَهَا، وَلَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً قَبْلَ الشَّرْعِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ قَبْلَهُ عَلَى الْحَظْرِ. وَالتَّنَفُّسُ فِي الْهَوَاءِ أَمْرٌ طَبْعِيٌّ ضَرُورِيٌّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَذَلِكَ عِنْدَنَا بِدَلِيلٍ سَمْعِيٍّ، فَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى أَخْبَارِ الشَّرْعِ، فَهُوَ مِنْ حُكْمِهِ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ ذَلِكَ بِإِخْبَارِهِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ حَتَّى وَرَدَ الشَّرْعُ. وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ إِبَاحَتَهَا قَبْلَ الشَّرْعِ عَقْلِيَّةٌ، لَكُنَّا نَقُولُ: إِبَاحَةُ الْعَقْلِ انْتَهَتْ بِوُرُودِ الشَّرْعِ، وَالْإِبَاحَةُ الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ أَنْشَأَهَا الشَّرْعُ، مِثْلُ الْعَقْلِيَّةِ لَا نَفْسُهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا غَيْرَ هَاهُنَا أَنَّ الْعَقْلَ يَنْعَزِلُ بِوُرُودِ الشَّرْعِ مِنْ كُلِّ تَصَرُّفٍ لَمْ يُفَوِّضْهُ الشَّرْعُ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُقَدِّمَةٌ بَيْنَ يَدَيِ الشَّرْعِ.

قَوْلُهُ: «وَفِي كَوْنِهَا» أَيْ: فِي كَوْنِ الْإِبَاحَةِ «تَكْلِيفًا خِلَافٌ» .

قُلْتُ: قَدْ حَكَيْنَا الْخِلَافَ فِي النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ: هَلْ هُمَا تَكْلِيفٌ أَمْ لَا؟ وَإِذَا خَرَجَ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعَ كَوْنِهِمَا مِنْ خِطَابِ الِاقْتِضَاءِ، فَخُرُوجُهُ فِي الْإِبَاحَةِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ خِطَابِ التَّخْيِيرِ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهَا تَكْلِيفًا لَفْظِيٌّ، إِذْ مَنْ قَالَ: لَيْسَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>