للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَنَا: الْقَطْعُ بِجَوَازِ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: خِطْ هَذَا الثَّوْبَ، أَوِ ابْنِ هَذِهِ الْحَائِطَ، لَا أُوجِبُهُمَا عَلَيْكَ جَمِيعًا، وَلَا وَاحِدًا مُعَيَّنًا، بَلْ أَنْتَ مُطِيعٌ بِفِعْلِ أَيِّهِمَا شِئْتَ. وَلِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ بِلَفْظِ (أَوْ) ، وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ وَالْإِبْهَامِ.

قَالُوا: فَإِنِ اسْتَوَتِ الْخِصَالُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَصْلَحَةِ الْمُكَلَّفِ وَجَبَتْ، وَإِلَّا اخْتُصَّ بَعْضُهَا بِذَلِكَ، فَيَجِبُ.

ــ

قَوْلُهُ: «لَنَا: الْقَطْعُ» هَذَا حِينَ الشُّرُوعِ فِي أَدِلَّةِ الْمَسْأَلَةِ.

وَتَقْرِيرُ هَذَا الدَّلِيلِ: أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِيجَابِ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ جَائِزٌ عَقْلًا وَشَرْعًا.

أَمَّا عَقْلًا، فَلِأَنَّ السَّيِّدَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: «خِطْ هَذَا الثَّوْبَ، أَوِ ابْنِ هَذَا الْحَائِطَ، لَا أُوجِبُهُمَا عَلَيْكَ جَمِيعًا، وَلَا وَاحِدًا» مِنْهُمَا «مُعَيَّنًا، بَلْ أَنْتَ مُطِيعٌ بِفِعْلِ أَيِّهِمَا شِئْتَ» فَهَذَا وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ، لِأَنَّهُ نَفَى وُجُوبَ الْجَمِيعِ، وَوُجُوبَ الْمُعَيَّنِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ أَحَدُهُمَا، فَلَا يَصِحُّ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُمَا مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ، إِذْ يَلْزَمُ أَنَّ قَبْلَ فِعْلِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِسَبْقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ يُعَيِّنُهُ بِاخْتِيَارِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَأَمَّا شَرْعًا، فَلِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِلَفْظِ (أَوْ) ، وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ وَالْإِبْهَامِ، فَيَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهَا وَاحِدٌ مُخَيَّرٌ، كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَاسْتِدْلَالُنَا هَهُنَا عَلَى الْجَوَازِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ ثَبَتَ الْوُقُوعُ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْجَوَازِ.

قُلْتُ: وَفِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْجَوَازِ بِالْوُقُوعِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خَصْمٌ مُنَازِعٌ، كَانَ دَعْوَى الْوُقُوعِ مَحَلَّ النِّزَاعِ، بَلْ هُوَ يَقُولُ: الْوَاجِبُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ الْجَمِيعُ، لِأَنَّهَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَحَلِّ النِّزَاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>