للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: نَدْبٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، لِجَوَازِ تَرْكِهِ فِيهِ. وَاجِبٌ فِي آخِرِهِ لِعَدَمِ ذَلِكَ.

قُلْنَا: النَّدْبُ يَجُوزُ تَرْكُهُ مُطْلَقًا، وَهَذَا بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ، فَلَيْسَ بِنَدْبٍ، بَلْ مُوَسَّعٌ فِي أَوَّلِهِ مُضَيَّقٌ عِنْدَ بَقَاءِ قَدْرِ فِعْلِهِ.

قَالُوا: لَوْ غَفَلَ عَنِ الْعَزْمِ وَمَاتَ، لَمْ يَعْصِ.

قُلْنَا: لِأَنَّ الْغَافِلَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، حَتَّى لَوْ تَنَبَّهَ لَهُ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى تَرْكِهِ عَصَى.

ــ

«قَالُوا: نَدْبٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ» إِلَى آخِرِهِ، هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لَهُمْ.

وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ الْمُوَسَّعَ مَنْدُوبٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ فِيهِ، وَكُلُّ مَا جَازَ تَرْكُهُ فِي وَقْتٍ، فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِيهِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَهُوَ وَاجِبٌ فِي آخِرِهِ، لِعَدَمِ ذَلِكَ، أَيْ: لِعَدَمِ جَوَازِ تَرْكِهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ فِي تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ نَظَرًا لَفْظِيًّا، وَهُوَ أَنَّ وَجْهَ تَقْرِيرِهِ عَلَى لَفْظِهِ، أَنَّ الْمُوَسَّعَ نَدْبٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَمَا جَازَ تَرْكُهُ، فَهُوَ نَدْبٌ، لَكِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْحَرَامِ، إِذْ كُلُّهَا يَجُوزُ تَرْكُهَا، وَلَيْسَتْ نَدْبًا، وَوَجْهُ تَصْحِيحِهِ، مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي تَقْرِيرِهِ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا: نَدْبٌ: أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَتَقْرِيرُهُ إِذًا هَكَذَا:

الْمُوَسَّعُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ فِيهِ، وَكُلُّ مَا جَازَ تَرْكُهُ فَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ.

«قُلْنَا» : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ نَدْبٌ فِي أَوَّلِهِ، وَلَا أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. قَوْلُكُمْ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ، قُلْنَا: مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْعَزْمِ. الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>