. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَصَارَ آمِرًا بِهِ غَيْرَ آمِرٍ بِهِ وَهُوَ عَيْنُ التَّنَاقُضِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ هَذَا التَّنَاقُضَ مِنْ قَوْلِنَا: الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ، لِأَنَّ مَلْزُومَ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ.
أَمَّا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الْمَنْدُوبَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، لَا يَلْزَمُ هَذَا التَّنَاقُضَ، لِأَنَّا نَقُولُ مَثَلًا: السِّوَاكُ مَنْدُوبٌ، وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِمَا فُهِمْ مِنْ قَوْلِهِ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مِنْ عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ.
قَوْلُهُ: «قُلْنَا: الْمُرَادُ أَمْرُ الْإِيجَابِ فِيهِمَا» . هَذَا جَوَابٌ عَنِ الدَّلِيلَيْنِ جَمِيعًا.
وَتَوْجِيهُ الْجَوَابِ عَنِ الْأَوَّلِ أَنْ نَقُولَ: قَوْلُكُمْ: لَوْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ، لَعَصَى تَارِكُهُ.
إِنْ عَنَيْتُمْ أَنَّ الْمَأْمُورَ مُطْلَقًا يَعْصِي تَارِكُهُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَمَا أَنَّ فَاعِلَ الْمَنْهِيِّ مُطْلَقًا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا، بِدَلِيلِ فَاعِلِ الْمَكْرُوهِ. ثُمَّ يَلْزَمُهُمْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، لِأَنَّهُ مُقَابِلُ الْمَنْدُوبِ، وَإِنْ عَنَيْتُمْ أَنَّ الْمَأْمُورَ الْجَازِمَ يَعْصِي تَارِكُهُ، فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّ الْمَنْدُوبَ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ جَزْمًا حَتَّى يَعْصِيَ تَارِكُهُ.
وَتَوْجِيهُ الْجَوَابِ عَنِ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ الْمُرَادُ بِهِ: لَأَمَرْتُهُمْ أَمْرَ إِيجَابٍ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الْمَشَقَّةُ. أَمَّا الْأَمْرُ لَا عَلَى طَرِيقِ الْإِيجَابِ، فَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي تَصْرِيحَهُ بِالْأَمْرِ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ.
قُلْتُ: مَأْخَذُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَرَدُّدُ الْمَنْدُوبِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمُبَاحِ، فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُقْتَضًى وَمُسْتَدْعًى وَمَطْلُوبٌ وَمُثَابٌ عَلَيْهِ أَشْبَهَ الْوَاجِبَ، فَأُلْحِقَ بِهِ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا عِقَابَ فِي تَرْكِهِ أَشْبَهَ الْمُبَاحَ، فَأُلْحِقَ بِهِ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ قُصُورِ الْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ عَنْ تَنَاوُلِ التَّكْلِيفِ لَهُمَا، وَالْمَادَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُتَقَارِبَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute