للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُدَّ، بِأَنَّ أَفْعَالَهُ تَعَالَى لَا تُعَلَّلُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ صَبْرَ الْمُكَلَّفِ عَنْهَا فَيُثَابُ، وَخُلُوُّهُ عَنْ مَفْسَدَةٍ مَمْنُوعٌ، إِذْ هُوَ تَصَرُّفٌ فِي مُلْكِ الْغَيْرِ كَالشَّاهِدِ.

ــ

قَوْلُهُ: «وَرُدَّ» إِلَى آخِرِهِ. أَيْ: رُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ وَأُبْطِلَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُعَلَّلَةٌ بِالْأَغْرَاضِ وَالْعِلَلِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ، فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ: خَلْقُهَا لَا لِحِكْمَةٍ عَبَثٌ، بَلْ أَفْعَالُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا تُعَلَّلُ، فَجَازَ أَنَّهُ خَلَقَهَا كَمَا شَاءَ، وَتَعَبَّدَنَا بِاجْتِنَابِهَا تَعَبُّدًا مَحْضًا.

سَلَّمْنَا أَنَّ أَفْعَالَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُعَلَّلَةٌ، وَأَنْ لَابُدَّ لَهَا مِنْ حِكْمَةٍ ظَاهِرَةٍ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ انْحِصَارَ الْحِكْمَةِ فِي انْتِفَاعِنَا بِهَا، بَلْ جَازَ أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ فِي خَلْقِهَا امْتِحَانَ الْمُكَلَّفِ بِالصَّبْرِ عَنْهَا لِيُثَابَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [مُحَمَّدٍ: ٣١] ، {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الْإِنْسَانِ: ١٢] ، أَيْ: بِمَا صَبَرُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَعَلَى الطَّاعَاتِ.

وَأَمَّا خُلُوُّ الِانْتِفَاعِ بِهَا عَنْ مَفْسَدَةٍ فَمَمْنُوعٌ، بَلْ فِيهِ مَفْسَدَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: بُطْلَانُ مَقْصُودِ الِامْتِحَانِ الْمَذْكُورِ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مُلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، مَحْظُورًا كَالشَّاهِدِ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ طَعَامِ غَيْرِهِ أَوْ شُرْبُ شَرَابِهِ، أَوْ رُكُوبُ دَابَّتِهِ أَوْ لُبْسُ ثَوْبِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَكَذَلِكَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>