وَتَقْبِضَنِي عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَجْعَلَ رَحْمَتَكَ لِي مِنَ النَّارِ جُنَّةً، وَتُدْخِلَنِي بِفَضْلِكَ وَجُودِكَ الْجَنَّةَ، وَمَنِّكَ يَا مَنَّانُ.
وَتُلْحِقَنِي بِالنَّبِيِّ الْأَفْضَلِ، وَالرَّسُولِ الْمُكَمَّلِ الْأَكْمَلِ، الَّذِي خَتَمَ النُّبُوَّةَ وَأَكْمَلَ، وَمَنْ تَبِعَهُ بِإِحْسَانٍ.
ــ
قَوْلُهُ: «وَتَقْبِضَنِي عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ» : أَيْ عَلَى مَضْمُونِهِمَا وَمُقْتَضَاهُمَا، وَمَا أَفْصَحَا بِهِ، وَدَلَّا عَلَيْهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ.
قَوْلُهُ: «وَتَجْعَلَ رَحْمَتَكَ بِي مِنَ النَّارِ جُنَّةً» أَيْ سِتْرًا أَسْتَتِرُ بِهِ مِنَ النَّارِ، وَكُلُّ شَيْءٍ سَتَرَ شَيْئًا، فَقَدْ أَجَنَّهُ، وَهُوَ جُنَّةٌ لَهُ، بِضَمِّ الْجِيمِ، كَالدِّرْعِ وَالْجَوْشَنِ لِلْمُحَارِبِ، وَأَصْلُ الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَتَرَاكِيبِهَا تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى السَّتْرِ، كَالْجِنِّ وَالْجُنُونِ وَالْجَنَّةِ لِلْبُسْتَانِ، وَالْمِجَنِّ لِلتُّرْسِ، وَمَعْنَى السَّتْرِ فِي جَمِيعِهَا ظَاهِرٌ. نَعَمْ، اسْتِعْمَالُ الْجَنَّةِ فِي الرَّحْمَةِ مَجَازٌ، لِأَنَّ نَفْسَ الرَّحْمَةِ لَيْسَتْ هِيَ السَّاتِرَ الْحَائِلَ دُونَ النَّارِ، بَلْ إِذَا بَاعَدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِرَحْمَتِهِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالنَّارِ، حَتَّى لَا يَجِدَ ضَرَرَهَا، كَانَتِ الرَّحْمَةُ سَبَبًا لِزَوَالِ أَذَاهَا، فَصَارَتْ كَأَنَّهَا سَاتِرٌ حَجَبَ أَذَى النَّارِ عَنِ الْوُصُولِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِمَّا صِفَةُ ذَاتٍ، أَوْ صِفَةُ فِعْلٍ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَتُهَا جُنَّةً، لِأَنَّ الصِّفَةَ الذَّاتِيَّةَ لَا تَنْتَقِلُ، وَالْفِعْلَ عَرَضٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ السَّتْرُ.
قَوْلُهُ: «وَتُدْخِلَنِي بِفَضْلِكَ وَجُودِكَ الْجَنَّةَ» الْجُودُ قَدْ سَبَقَ مَعْنَاهُ، وَالْفَضْلُ: الْإِفْضَالُ وَالْإِحْسَانُ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِ: إِذَا أَحْسَنَ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: «وَمَنِّكَ» أَيْ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ بِفَضْلِكَ وَمَنِّكَ، وَهُوَ مَا يَصِحُّ أَنْ تَمُنَّ بِهِ مِنَ الْإِحْسَانِ وَالتَّطَوُّلِ، وَأَصْلُ الْمَنِّ: تَذْكِيرُ النِّعْمَةِ وَالْجَمِيلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute