للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كُلِّ وَقْتٍ، بَلْ هُوَ بَشَرٌ عَاشَ بَيْنَ النَّاسِ زَمَانًا حَتَّى عَرَّفَهُمْ أَحْكَامَ مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، ثُمَّ صَارَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، اقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ نَصْبَ أَشْيَاءَ تَكُونُ أَعْلَامًا عَلَى حُكْمِهِ وَمُعَرِّفَاتٍ لَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ كَالْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ فِي الشَّرِيعَةِ، تَحْصِيلًا لِدَوَامِ حُكْمِهَا وَأَحْكَامِهَا مُدَّةَ بَقَاءِ الْمُكَلَّفِينَ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ، وَتِلْكَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي نُصِبَتْ مُعَرِّفَاتٍ لِحُكْمِ الشَّرْعِ هِيَ الْأَسْبَابُ وَالشُّرُوطُ وَالْمَوَانِعُ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُمْكِنُهُمْ لِوُجُودِهِ بَيْنَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ حُكْمِ أَعْيَانِ الْحَوَادِثِ بِأَشْخَاصِهَا، فَيُجِيبُهُمْ عَنْهَا، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ أَحْكَامَهَا، فَلَوِ اتَّفَقَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ، مَثَلًا، مِائَةُ زَانٍ أَوْ سَارِقٍ أَوْ شَارِبِ خَمْرٍ، أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، إِمَّا بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِالْوَحْيِ، وَجَازَ أَنْ تَكُونَ أَحْكَامُهُ فِيهِمْ مُتَّفِقَةً وَمُخْتَلِفَةً، لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَأَحْكَامُهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهَا بِالْأَقْيِسَةِ.

كَمَا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْجُهَنِيَّةِ دُونَ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَرْجُومٌ فِي الْحَدِّ بِإِقْرَارِهِ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقِيَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>