فَمَا لَمْ يُخَالِفْ دَلِيلًا، كَاسْتِبَاحَةِ الْمُبَاحَاتِ، وَسُقُوطِ صَوْمِ شَوَّالٍ، لَا يُسَمَّى رُخْصَةً، وَمَا خُفِّفَ عَنَّا مِنَ التَّغْلِيظِ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَنَا، بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا رُخْصَةٌ مَجَازًا، وَمَا خُصَّ بِهِ الْعَامُّ إِنِ اخْتُصَّ بِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي بَقِيَّةِ صُوَرِهِ، كَالْأَبِ الْمَخْصُوصِ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَلَيْسَ بِرُخْصَةٍ، وَإِلَّا كَانَ رُخْصَةً، كَالْعَرَايَا الْمَخْصُوصَةِ مِنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ. وَإِبَاحَةُ التَّيَمُّمِ رُخْصَةٌ، إِنْ كَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِمَرَضٍ، أَوْ زِيَادَةِ ثَمَنٍ، وَإِلَّا فَلَا، لِعَدَمِ قِيَامِ السَّبَبِ.
ــ
قَوْلُهُ: «فَمَا لَمْ يُخَالِفْ دَلِيلًا» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا كَالِامْتِحَانِ لِحَدِّ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ بِالتَّفْرِيعِ عَلَيْهِ، فَاسْتِبَاحَةُ الْمُبَاحَاتِ مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَتَنَزُّهٍ وَنَحْوِهِ، وَعَدَمُ صَوْمِ شَوَّالٍ، لَا يُسَمَّى رُخْصَةً، لِكَوْنِهِ لَا يُخَالِفُ دَلِيلًا، وَشَرْطُ الرُّخْصَةِ مُخَالَفَةُ الدَّلِيلِ.
وَقَوْلُنَا هَاهُنَا: وَعَدَمُ وُجُوبِ صَوْمِ شَوَّالٍ: أَجْوَدُ مِنْ قَوْلِنَا فِي «الْمُخْتَصَرِ» : وَسُقُوطُ صَوْمِ شَوَّالٍ، لِأَنَّ السُّقُوطَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ وُجُوبٍ، وَصَوْمُ شَوَّالٍ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا حَتَّى يَكُونَ عَدَمُ صَوْمِهِ لِسُقُوطِهِ.
فَأَمَّا مَا خُفِّفَ عَنَّا - أَيُّهَا الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ - مِنَ التَّغْلِيظِ الَّذِي كَانَ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَنَا، كَقَطْعِ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مِنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَهَتْكِ الْعُصَاةِ بِوُجُودِ مَعَاصِيهِمْ مَكْتُوبَةً عَلَى أَبْوَابِهِمْ، فَيُعَاقَبُونَ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْآصَارُ وَالْأَغْلَالُ الْمَوْضُوعَةُ عَنَّا بِبَرَكَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا رُخْصَةٌ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ سَهَّلَ عَلَيْنَا مَا شَدَّدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute