. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَالسُّنَّةِ.
وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي بِمُوجَبِ هَذَا أَنْ يُقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي اللُّغَاتِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَقْدِيمَ مَادَّةِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَدْ بَيَّنْتُ أَنِّي أَقْرَرْتُ تَرْتِيبَ أَصْلِ هَذَا «الْمُخْتَصَرِ» عَلَى حَالِهِ غَالِبًا.
قَوْلُهُ: «وَهِيَ» - يَعْنِي اللُّغَةَ - هِيَ «الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي النَّفْسِيَّةِ» .
يَعْنِي الْمُتَكَلِّمَ يُقَوِّمُ بِنَفْسِهِ مَعَانِيَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَصَوَّرُهَا كَتَصَوُّرِهِ لِمَعْنَى قِيَامِ زَيْدٍ، وَضَرْبِ عَمْرٍو، وَحُسْنِ الْعِلْمِ، وَقُبْحِ الْجَهْلِ. فَيُعَبِّرُ عَنْ تِلْكَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا، كَقَوْلِهِ: قَامَ زَيْدٌ، وَضَرَبَ عَمْرٌو، وَالْعِلْمُ حَسَنٌ، وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ. فَتِلْكَ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي هِيَ اللُّغَةُ.
قَوْلُهُ: «وَاخْتِلَافُهَا لِاخْتِلَافِ أَمْزِجَةِ الْأَلْسِنَةِ، لِاخْتِلَافِ الْأَهْوِيَةِ وَطَبَائِعِ الْأَمْكِنَةِ» .
أَيْ: وَاخْتِلَافُ اللُّغَاتِ إِلَى عَرَبِيٍّ وَأَعْجَمِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ اللُّغَاتِ عِلَّتُهُ وَسَبَبُهُ اخْتِلَافُ أَمْزِجَةِ الْأَلْسِنَةِ، وَاخْتِلَافُ أَمْزِجَةِ الْأَلْسِنَةِ عِلَّتُهُ وَسَبَبُهُ اخْتِلَافُ الْأَهْوِيَةِ وَطَبَائِعِ الْأَمْكِنَةِ، فَإِذَا غَلَبَ الْبَرْدُ مَثَلًا عَلَى مَكَانٍ، بَرُدَ هَوَاؤُهُ، وَطَبْعُ الْبَرْدِ التَّكْثِيفُ وَالتَّثْقِيلُ، لِأَنَّ الْعُنْصُرَيْنِ الْبَارِدَيْنِ، وَهُمَا: الْمَاءُ وَالْأَرْضُ، ثَقِيلَانِ كَثِيفَانِ. وَالْمَاءُ أَشَدُّهُمَا بَرْدًا، وَالْأَرْضُ أَشَدُّهُمَا كَثَافَةً، فَيَغْلِبُ الثِّقَلُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَيَثْقُلُ النُّطْقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، ثُمَّ يَضَعُونَ الْأَلْفَاظَ الْمَخْصُوصَةَ لِلْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ، فَيَجِيءُ النُّطْقُ بِهَا ثَقِيلًا، كَالْعَجَمِيِّ، وَالتُّرْكِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَإِذَا غَلَبَ الْحَرُّ عَلَى مَكَانٍ، سَخُنَ هَوَاؤُهُ، وَطَبْعُ الْحَرَارَةِ التَّخْفِيفُ وَالتَّحْلِيلُ وَالتَّلْطِيفُ، فَتَغْلِبُ الْخِفَّةُ عَلَى أَلْسِنَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute