. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَلَا يَكُونُ تَعْلِيمُهُ لِلُغَتِهِمْ تَوْقِيفًا ابْتِدَاءً، بَلْ إِيصَالًا لِلُغَةِ غَيْرِهِ إِلَيْهِ، وَإِخْبَارًا لَهُ بِهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِنَّمَا وَقَفَهُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْمَوْجُودَةِ حِينَئِذٍ، كَالسَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، لَا مَا حَدَثَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمُسَمَّيَاتِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ التَّوْقِيفُ كُلِّيًّا. وَبِتَقْدِيرِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُكُمْ مِنَ الْآيَةِ.
قَوْلُهُ: «قُلْنَا: تَخْصِيصٌ» ، أَيْ: هَذَا الَّذِي عَارَضْتُمْ بِهِ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ تَخْصِيصٌ لِظَاهِرِ عُمُومِهَا، وَتَأْوِيلٌ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِهَا، وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ وَتَأْوِيلُ الظَّاهِرِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ يَصْلُحُ لَهُ، وَيُكَافِئُهُ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا قَاطِعَ وَلَا نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَا الظَّنَّ وَالظُّهُورَ، وَدَلِيلُنَا عَلَى مَا ادَّعَيْنَاهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ الْإِنْصَافِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
فَائِدَةٌ: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ اللُّغَةَ تَوْقِيفِيَّةٌ، فَإِنَّهَا لَمْ تَقَعْ جُمْلَةً وَاحِدَةً، بَلْ وُقِفَ آدَمُ عَلَى مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْهَا، ثُمَّ كَذَلِكَ مَنْ حَدَثَ مِنْ بَنِيهِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ بَعْدَهُ، حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُوتِيَ مِنْهَا مَا لَمْ يُؤْتَهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ، ثُمَّ قَرَّ الْأَمْرُ قَرَارَهُ، وَخُتِمَتْ بِهِ اللُّغَةُ، كَمَا خُتِمَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ. ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا ابْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِ فِقْهِ اللُّغَةِ وَسُنَنِ الْعَرَبِ الْمُسَمَّى بِـ «الصَّاحِبِي» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute