وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ عِنْدَ إِطْلَاقِهَا تُصْرَفُ إِلَى مَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ، لِأَنَّ الشَّارِعَ يُبَيِّنُ الشَّرْعَ، لَا اللُّغَةَ، وَكَذَا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَحُكِيَ عَنِ الْقَاضِي أَنَّهَا تَكُونُ مُجْمَلَةً، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ مَعْنَيَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَاللَّفْظُ لِحَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الْمَجَازِ، وَإِلَّا لَاخْتَلَّ مَقْصُودُ الْوَضْعِ، وَهُوَ التَّفَاهُمُ.
ــ
قَوْلُهُ: «وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ عِنْدَ إِطْلَاقِهَا تُصْرَفُ إِلَى مَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ» ، إِلَى آخِرِهِ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ بِالدَّلِيلِ، أَخَذَ يُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الشَّرْعِيَّةَ، كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، إِذَا صَدَرَتْ عَنِ الشَّارِعِ، أَوْ عَنِ الْفُقَهَاءِ فِي تَخَاطُبِهِمْ وَتَصَانِيفِهِمْ، فَإِمَّا أَنْ يُعْلَمَ بِنَصٍّ أَوْ قَرِينَةٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَوْضُوعُ اللُّغَوِيُّ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَوْضُوعُ الشَّرْعِيُّ، وَلَا إِشْكَالَ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، لِأَنَّ الْقَرَائِنَ كَالنُّصُوصِ، أَوْ لَا يُعْلَمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ حَالُ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ هُنَا.
فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُجْمَلَةً، وَيَجِبُ صَرْفُهَا إِلَى مَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ دُونَ اللُّغَوِيِّ، لِأَنَّ شَأْنَ الشَّارِعِ أَنْ يُبَيِّنَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ، لَا أَحْكَامَ اللُّغَةِ، فَلَوْ صَرَفْنَا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الصَّادِرَةَ مِنْهُ إِلَى مَوْضُوعِهَا اللُّغَوِيِّ، لَكُنَّا قَدِ اعْتَقَدْنَا فِيهِ أَنَّهُ تَرَكَ مَا يَعْنِيهِ، وَعَدَلَ إِلَى بَيَانِ مَا لَا يَعْنِيهِ، مَعَ أَنَّ مَا تَرَكَهُ لَا يَخْلُفُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَمَا عَدَلَ إِلَيْهِ قَدْ يَكْفِيهِ غَيْرُهُ، وَهُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَذَلِكَ تَسْفِيهٌ لَا يَلِيقُ أَنْ يُعْتَقَدَ بِعَامَّةِ النَّاسِ، فَضْلًا عَنْ وَاضِعِ الشَّرْعِ الْحَكِيمِ.
«وَحَكَى عَنِ الْقَاضِي» أَبِي يَعْلَى - وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ -: «أَنَّهَا تَكُونُ مُجْمَلَةً، لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ مَعْنَيَيْهَا» يَعْنِي: اللُّغَوِيَّ وَالشَّرْعِيَّ «وَالْأَوَّلُ أَوْلَى» يَعْنِي: حَمْلَهَا عَلَى مَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ، لِمَا قَرَّرْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute