للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بِحَاسَّتِهِ، ثُمَّ يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا الْقَوْلَ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ وَحَرْفٍ مِنْ فَوْقِ السَّمَاوَاتِ، لِكَوْنِ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلشَّاهِدِ، فَإِنْ جَازَ قَلْبُ حَقِيقَةِ السَّمْعِ شَاهِدًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَلَامِهِ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ خِلَافُ الشَّاهِدِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اسْتِوَائِهِ وَكَلَامِهِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ؟ .

فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ حَرْفٍ وَصَوْتٍ لَا مِنْ جِسْمٍ، وَوُجُودٌ فِي جِهَةٍ لَيْسَ بِجِسْمٍ. قُلْنَا: إِنْ عَنَيْتُمُ اسْتِحَالَتَهُ مُطْلَقًا ; فَلَا نُسَلِّمُ، إِذِ الْبَارِئُ جَلَّ جَلَالُهُ عَلَى خِلَافِ الشَّاهِدِ وَالْمَعْقُولِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ. وَقَدْ وَرَدَتِ النُّصُوصُ بِمَا قُلْنَاهُ ; فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ.

قَوْلُهُ: «وَهُوَ قَدِيمٌ» ، يَعْنِي كَلَامَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى رَأْيِنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى قِدَمِهِ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنِ الْأَشْعَرِيَّةَ وَافَقُوا عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ الْبَارِئِ جَلَّ جَلَالُهُ ; كَالْحَيَاةِ، وَالْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ، مَعَانٍ زَائِدَةٌ عَلَى مَفْهُومِ ذَاتِهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الشَّاهِدِ، وَأَنَّ الْحَيَّ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَيَاةُ، وَالْعَالِمُ مَنْ قَامَ بِهِ الْعِلْمُ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا عَالِمًا ; لَكَانَ جَمَادًا غَيْرَ عَالِمٍ، إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ نَقْصٌ ; فَيَجِبُ أَنْ يُنْفَى عَنْهُ.

فَنَقُولُ نَحْنُ فِي إِثْبَاتِ الْكَلَامِ عَلَى رَأْيِنَا: لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا لَكَانَ سَاكِتًا لَكِنَّ السُّكُوتَ عَلَيْهِ مُحَالٌ ; لِأَنَّهُ نَقْصٌ ; فَيَجِبُ أَنْ يُنْفَى عَنْهُ، إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا لَكَانَ سَاكِتًا ; لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْكَلَامِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>