. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَإِنْ قِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ، وَلَكِنْ كَمَا قَرَّرْنَاهُ مِنَ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِالِاشْتِرَاكِ، كَمَا قُلْتُمْ: إِنَّ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةَ فِي الشَّرْعِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَقِيقَةٌ ; لَكِنْ مُخَالِفَةٌ لِلصِّفَاتِ الْمُشَاهَدَةِ، وَهِيَ مَقُولَةٌ بِالِاشْتِرَاكِ.
قُلْنَا: نَحْنُ اضْطَرَّنَا إِلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الصِّفَاتِ وُرُودُ نُصُوصِ الشَّرْعِ الثَّابِتَةِ بِهَا ; فَأَنْتُمْ مَا الَّذِي اضْطَرَّكُمْ إِلَى إِثْبَاتِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ؟
فَإِنْ قِيلَ: دَلِيلُ الْعَقْلِ الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ لَا صَوْتَ إِلَّا مِنْ جِسْمٍ.
قُلْنَا: فَمَا أَفَادَكُمْ إِثْبَاتُهُ شَيْئًا ; لِأَنَّ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ الَّذِي أَثْبَتُّمُوهُ لَا يَخْرُجُ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ أَنْ يَكُونَ عِلْمًا أَوْ تَصَوُّرًا، عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ عَنْ أَئِمَّتِكُمْ، فَإِنْ كَانَ عِلْمًا ; فَقَدْ رَجَعْتُمْ مُعْتَزِلَةً، وَنَفَيْتُمُ الْكَلَامَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَوَّهْتُمْ عَلَى النَّاسِ بِتَسْمِيَتِكُمُ الْعِلْمَ كَلَامًا، وَإِنْ كَانَ تَصَوُّرًا ; فَالتَّصَوُّرُ فِي الشَّاهِدِ: حُصُولُ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا يُعْقَلُ فِي الْأَجْسَامِ، وَإِنْ عَنَيْتُمْ تَصَوُّرًا مُخَالِفًا لِلتَّصَوُّرِ فِي الشَّاهِدِ، لَائِقًا بِجَلَالِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ; فَأَثْبِتُوا كَلَامًا، هُوَ عِبَارَةٌ عَلَى خِلَافِ الشَّاهِدِ، لَائِقَةٌ بِجَلَالِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَوْلُهُ: «وَالْبَحْثُ فِيهِ كَلَامِيٌّ» ، أَيْ: الْبَحْثُ فِي قِدَمِ الْقُرْآنِ مُتَعَلِّقٌ بِعِلْمِ الْكَلَامِ ; فَهُوَ مَوْضِعُ ذِكْرِهِ، مَعَ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهُ بُلْغَةً وَلِلْمَسْأَلَةِ مَأْخَذَانِ مُخْتَصَرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكَلَامَ حَقِيقَةٌ فِي الْعِبَارَةِ، أَوْ مُشْتَرِكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَدْلُولِهَا كَمَا سَبَقَ، وَقَدْ بَيَّنَّا عَدَمَ الِاشْتِرَاكِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْكَلَامَ صِفَةُ ذَاتٍ، أَوْ صِفَةُ فِعْلٍ، إِذْ صِفَاتُ الذَّاتِ قَدِيمَةٌ، وَصِفَاتُ الْفِعْلِ مُحْدَثَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute