وَلَا تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُخْبِرِينَ، وَلَا إِسْلَامُهُمْ ; لِأَنَّ مَنَاطَ حُصُولِ الْعِلْمِ الْكَثْرَةُ، وَلَا عَدَمُ انْحِصَارِهِمْ فِي بَلَدٍ، أَوْ عَدَدٍ، لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِإِخْبَارِ الْحَجِيجِ، وَأَهْلِ الْجَامِعِ، عَنْ صَادٍّ عَنِ الْحَجِّ، أَوْ مَانِعٍ مِنَ الصَّلَاةِ، وَلَا عَدَمُ اتِّحَادِ الدِّينِ وَالنَّسَبِ لِذَلِكَ، وَلَا عَدَمُ اعْتِقَادِ نَقِيضِ الْمُخْبَرِ بِهِ، خِلَافًا لِلْمُرْتَضَى.
وَكِتْمَانُ أَهْلِ التَّوَاتُرِ مَا يُحْتَاجُ إِلَى نَقْلِهِ مُمْتَنِعٌ، خِلَافًا لِلْإِمَامِيَّةِ، لِاعْتِقَادِهِمْ كِتْمَانَ النَّصِّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ. لَنَا: أَنَّهُ كَتَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَهُوَ مُحَالٌ.
قَالُوا: تَرَكَ النَّصَارَى نَقْلَ كَلَامِ عِيسَى فِي الْمَهْدِ. قُلْنَا: لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ وَاتِّبَاعِهِمْ لَهُ، وَقَدْ نُقِلَ أَنَّ حَاضِرِي كَلَامِهِ لَمْ يَكُونُوا كَثِيرِينَ.
وَفِي جَوَازِ الْكَذِبِ عَلَى عَدَدِ التَّوَاتُرِ خِلَافٌ، الْأَظْهَرُ الْمَنْعُ عَادَةً، وَهُوَ مَأْخَذُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ.
ــ
قَوْلُهُ: «وَلَا تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُخْبِرِينَ وَلَا إِسْلَامُهُمْ» ، يَعْنِي فِي التَّوَاتُرِ ; لِأَنَّ مَنَاطَ حُصُولِ الْعِلْمِ كَثْرَتُهُمْ، بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ عَادَةً تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، لَا الْعَدَالَةُ وَالْإِسْلَامُ وَسَائِرُ أَوْصَافِ الرِّوَايَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَاتِ ; وَأَخْبَارِ الْآحَادِ ; لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُفِيدُ الظَّنَّ، أَمَّا التَّوَاتُرُ فَهُوَ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ أَوِ النَّظَرِيِّ كَمَا سَبَقَ ; فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنِ اعْتِبَارِ أَوْصَافِ الْمُخْبِرِينَ الْمُرَادَةِ ; لِتَقْوِيَةِ الظَّنِّ وَغَلَبَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ تَقْبَلُوا أَخْبَارَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى كَثْرَتِهِمْ ; بِأَنَّ شَرْعَهُمْ بَاقٍ أَبَدًا لَا يُنْسَخُ، وَنَحْوَهُ مِنَ الْأَخْبَارِ الْقَادِحَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ؟
قُلْنَا: لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا سَبَقَ مِنِ اخْتِلَالِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فِي أَخْبَارِهِمْ لِقِلَّتِهِمْ.
الثَّانِي: أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى حُصُولِ الْعَدَدِ، وَنَحْنُ لَمْ يَحْصُلْ لَنَا الْعِلْمُ بِصِحَّةِ مَا قَالُوا ; فَعَلِمْنَا جَزْمًا أَنَّ الْعَدَدَ لَمْ يَحْصُلْ، إِذْ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute