. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ: رَأَيْتُ الْهِلَالَ - يَعْنِي رَمَضَانَ - فَقَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: تَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ، أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَحْمَدَ. وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، كَانُوا يَقْبَلُونَ رِوَايَةَ الْأَعْرَابِ وَالنِّسَاءِ، وَلَمْ يَعْرِفُوا مِنْهُمْ سِوَى الْإِسْلَامِ، أَيِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَبُولِهِ خَبَرَ الْأَعْرَابِيِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَلِهَذَا قَالَ لَهُ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَرَتَّبَ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِإِسْلَامِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي اسْتِقْلَالَ الْإِسْلَامِ بِقَبُولِ الْخَبَرِ، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ فِي قَبُولِهِمْ رِوَايَةَ الْأَعْرَابِ وَالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ، لَمْ يَعْرِفُوا مِنْهُمْ سِوَى الْإِسْلَامِ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْمَجْهُولِ، وَأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَدَالَةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الرِّوَايَةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ أَسْلَمَ، ثُمَّ رَوَى خَبَرًا، أَوْ شَهِدَ شَهَادَةً، قُبِلَ مِنْهُ بِاتِّفَاقٍ، وَلَا مُسْتَنَدَ لِقَبُولِ خَبَرِهِ هَهُنَا إِلَّا الْإِسْلَامَ؛ فَلْيَكُنْ مُجَرَّدُ الْإِسْلَامِ كَافِيًا فِي قَبُولِ خَبَرِ الْمَجْهُولِ، بِالْقِيَاسِ عَلَى الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ، وَأَوْلَى، لِمَا قَدِ اسْتَقَرَّ فِي قَلْبِ هَذَا الْمَجْهُولِ مِنْ هَيْبَةِ الْإِسْلَامِ، وَمَعْرِفَةِ حُقُوقِهِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ، ثُمَّ رَوَى عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدُ فِي غَبَاوَةِ الْكُفْرِ وَجَهَالَتِهِ.
قَوْلُهُ: «وَتَرَاخِي الزَّمَنِ بَعْدَهُ لَا يَصْلُحُ مُسْتَنَدًا» ، إِلَى آخِرِهِ، هَذَا تَكْمِيلٌ لِهَذَا الدَّلِيلِ، وَتَقْرِيرٌ لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute