للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُعَارَضٌ، بِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَدِ احْتِرَازًا مِنَ الْعَمَلِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ، وَصِيَانَةٌ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.

قُلْنَا: هَذَا مَرْدُودٌ، بِأَنَّ خَبَرَ مَنْ عَدَّلَهُ مُزَكٍّ وَاحِدٌ يُفِيدُ الظَّنَّ، وَهُوَ مَنَاطُ وُجُوبِ الْعَمَلِ كَمَا سَبَقَ. فَأَمَّا مَنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا؛ فَإِنَّمَا يُفِيدُ خَبَرُهُ مِنَ الظَّنِّ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ، لَكِنَّ زِيَادَةَ قُوَّةِ الظَّنِّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ هَهُنَا، وَإِلَّا لَوَجَبَ اعْتِبَارُ تَعْدِيلِ ثَلَاثَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى يُفِيدَ التَّوَاتُرُ بِعَدَالَةِ الرَّاوِي، وَهُوَ مُلْغًى بِاتِّفَاقٍ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ حُصُولُ مُطْلَقُ ظَنِّ الْعَدَالَةِ، وَهُوَ حَاصِلٌ مِنْ تَعْدِيلِ الْوَاحِدِ.

قَوْلُهُ: «وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ» ، إِلَى آخِرِهِ، أَيِ: الْمَحْدُودُ بِسَبَبِ الْقَذْفِ، أَيْ: لِكَوْنِهِ قَذَفَ غَيْرَهُ. إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَذَفَهُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، مِثْلَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إِنْسَانٍ بِالزِّنَى، أَوْ بِغَيْرِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، مِثْلَ أَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: يَا زَانِي، فَإِنْ كَانَ قَذَفَهُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، لَمْ يُرَدَّ خَبَرُهُ، وَقُبِلَتْ رِوَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحَدُّ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِعَدَمِ كَمَالِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَى، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، إِذْ لَوْ كَمُلُوا، لَحُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ دُونَ الشَّاهِدِ، وَعَدَمُ كَمَالِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ هَذَا الشَّاهِدِ الْمَحْدُودِ، حَتَّى يُعَاقَبَ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ.

وَقَدْ رَوَى النَّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ، وَكَانَ مَحْدُودًا فِي قَذْفِهِ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَى بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ.

وَإِنْ كَانَ قَذْفُهُ بِغَيْرِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ كَقَوْلِهِ: يَا زَانِي، يَا عَاهِرُ، وَنَحْوِهِ، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَتُوبَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النُّورِ: ٤ - ٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>